عندما تصبح الولاية جلابي قلاّجي
في الأنباء أن ولاية الخرطوم عبر اتحاد عمالها قد مارست ضربا من التجارة، يطلق عليه (القلاجة بكسر القاف ) وعلى من يمارسه (قلاجي بتشديد اللام وجمعه قلاجة)،وذلك بشرائها لخمس وخمسين ألفا من الخراف لطرحها على العاملين بأقساط مريحة، بدعوى اراحتهم من عسر الحصول على أضحية يستحيل عليهم الحصول عليها وسط هذا الغلاء المتفاحش، وقلاّجي وجمعها قلاّجة للناطقين بالعربية القحة ولا يفهمون غيرها، مسمى يطلقه مربو ومنتجو الماشية في غرب السودان على السماسرة والتجار(الجلابة) الذين يفدون الى مناطقهم في الفرقان والوديان أو الأسواق الريفية الصغيرة لشراء الماشية رأساً من مناطق الانتاج ،ثم يستأجرون بعض النفر من الرعاة المحليين لتوصيلها لهم الى المدن الكبيرة أو تحميلها على شاحنات الى حيث يشاءون بما في ذلك العاصمة القومية، وما فعلته الولاية الآن طبقاً للخبر المذكور هو عين ما ظل يفعله (القلاّجة) على مرّ الازمان والدهور، ولكن قبل أن ننظر في جدوى هذه العملية القلاّجية الولائية العمالية وما اذا كانت ذات أثر واضح أو أنها بلا أثر اللهم إلا بمقدار ما يمكن أن تفعله ملعقة سكر في برميل من الماء المالح، دعونا قبل ذلك أن نتساءل عن الكيفية التي جلبت بها الولاية الرقم المذكور من الرؤوس، هل تصدت هى بنفسها للمهمة بالاصالة أم بالوكالة عن طريق وسيط، وأياً تكن الاجابة، هذه أو تلك، ففي الحالتين هناك مشكلة، وهى أن الولاية ما زالت تمارس التجارة من (التشاشة) والى (القلاجة) وهكذا تعود بهذه القضية القهقري الى المربع الاول، المربع الذي كانت فيه الحكومة اكبر تاجر بطول البلاد وعرضها لم تترك شيئاً لم تتاجر ولم تستثمر ولم تضارب فيه عبر وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها المختلفة، فقد تاجرت حتى في الفنادق والمطاعم والاجزاخانات بل وفي دكاكين القطاعي و(بناشر اللساتك)، وكانت تلك الممارسة قد مثلت أكبر ضربة للقطاع الخاص وللأداء الاقتصادي ولم تستطع الحكومة حتى الآن التعافي من هذا المرض رغم قراراتها المتواترة عن تصفية الشركات الحكومية والتخلص من ممارسة التجارة، ثم ان دخول الولاية لحلبة التجارة عبر صفقة الخراف هذه كمشترٍ وكبائع أصيل أو بواسطة عميل فإن ذلك من شأنه أن يفتح باباً للتلاعب والفساد لا يؤمن جانبه مهما كان.
ثم ما الاثر الذي يمكن أن تحدثه بضعة الاف من الخراف في عاصمة تمددت وتكرّشت حتى حاددت عدداً من الولايات وفاق عدد سكانها الستة ملايين يزيدون ولا ينقصون،وهي مسؤولة عن كل هذا العدد وليس فقط العاملين،بل وحتى العاملين نفسهم بينهم كثيرون في حاجة أكبر لضروريات وأوليات قصوى أخرى ليس من بينها الأضحية بل أنها تسقطها عنهم وتدخلهم في زمرة من ضحى عنهم النبي الكريم،ولهذا أنا من رأي جمعية حماية المستهلك التي انتقد أمينها العام دكتور ياسر ميرغني أن تصبح الولاية تاجر مواشي وتفتح لها دكانة للبيع بالتقسيط (ويفتح الله ويستر الله) بدلا من أن تمارس عملها الأساسي في تنظيم التجارة، وان كان لابد من مساعدة تقدمها للعمال كان الأولى أن تنقدهم منحة نقدية مستردة بأقساط مريحة وتترك لهم الخيار فليسوا كلهم سواء في ضرورياتهم الملحة فبينهم كثير يعتبرالخروف عنده ترف كبير…
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي