الدولار والجنيه.. تهاوٍ وصعود
المُتابع للأخبار الاقتصادية هذه الأيام، يندهش للبُهتان العظيم الذي يكتنفها، ما يجعل تحليلها عصياً وعسيراً خاصة فيما يتعلق بانخفاض سعر الدولار. وكأنما حدثت طفرة تنموية هائلة وغير مسبوقة، تحدثنا الأخبار عن (تهاوي الدولار، وصعود الجنيه)، ثم ننظر حولنا إلى حركة النقد فنجد ارتفاع في الريال السعودي وبعض العملات الخليجية الأخرى، ونبحث عن تفسير للأمر، ونسأل عما إذا كان بالفعل انخفاض سعر الدولار (الراهن) إزاء الجنيه السوداني ناجم عن برنامج تنموي واقتصادي مخطط له، أم أن الأمر لا يعدو انحساراً للمضاربات في العملات الصعبة؟ يبدو الأمر كذلك تماماً، وإلا إذا كان ناتج عن السبب الأول، لانخفضت الريال السعودي وبقية العملات الخليجية، بينما حدث العكس.
دعوني أشرح قليلاً، البنك المركزي أعلن عن ضخ مبالغ مقدرة من النقد الأجنبي لمقابلة احتياجات صغار المورّدين والأفراد، بفعل انسياب الوديعة القطرية والارتفاع النسبي في عائدات صادر الذهب.
بالطبع هذان السببان، خاصة الأول المتصل بالوديعة القطرية، لا يمثلان مؤشراً حقيقياً للنمو الاقتصادي في البلاد، إذ أن المضاربين ضربتهم بعض الخشية من هذا (الضخ)، فخففوا نشاطهم اليومي في انتظار ومراقبة نتائج سريان الوديعة، ثم ما لبثوا وأن يجترحوا خططاً بديلة للالتفاف على الوضع والعودة مرة أخرى.
لذلك، فإن ما يحدث الآن من انحفاض نسبي بطيئ في سعر صرف العملات الصعبة (دولار ويورو)، ليس إلا حقن موضعي لمفاصل الاقتصاد المتيبسة بسبب سوء إدارة الموارد، وقلة الإنتاج، والمضاربات والفساد، وما لم تتحرك السياسيات الاقتصادية إلى الإنتاج الحقيقي (الزراعي، والغابي، والتعديني، السياحي)، وتأتي بخدمة مدنية رشيدة ونظيفة، فإن المضاربين دائماً بالمرصاد، سيعودون عاجلاً، وسيرتفع الدولار إلى أرقام فلكية في المرة القادمة، وهذا هو الأرجح من وجه نظري.
وعلينا أن ننتظر لنرى، هل هم (خبراء الاقتصاد الرسميون)، أم نحن (ناس قريعتي راحت) على صواب؟ وانتظرونا بعد العيد قليلاً، مع خالص تحياتنا وتحيات أب صلعة وإخوانه!!
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي