عبد الجليل سليمان

ترويج الصورة ونفيها

[JUSTIFY]
ترويج الصورة ونفيها

تحت عنوان (على بعد أمتار من كوباني) التقطت كاميرا (جِنان موسى) لصالح قناة الآن، صوراً مؤثرة للمشهد العبثي الذي رسمته مفارز اللوثة والدهماء هناك، صور لطفل كردي يقف على الجانب التركي من الحدود، وخلفه كوباني تحترق، صورة لطائرات التحالف تتواجد في السماء فوق عين العرب كوباني، صورة جماعية للاجئين أكراد ينظرون بأمل نحو الغارات الجوية على داعش أثناء تحليق طيران التحالف الدولي، صورة لشابة كردية تختبئ خلف مبنى، حيث رصاص داعش ينطلق من سوريا ليصل إلى الحدود التركية، وصورة لشرطة مكافحة الشغب التركية، وهي تتجول لتتأكد من إبعاد الأكراد في تركيا عن الحدود.

من المسؤول عن ترويج هذه الصورة القبيحة للإسلام؟

هذا هو السؤال الذي ينبغي الإجابة عنه أولاً، ومن ثم يمكن التأثيث والتأسيس لنسق فكري وتفسيري للدين الإسلامي، بحيث يجعله رحمة للعالمين بنفي الأفكار المتطرفة وإزاحتها عن متن الدين إلى هامشه، ومن ثم القضاء عليها فكرياً بالمقارعة والمحاججة العقلانية المحضة، بحيث لا ينفي هذا ولا يتعارض مع ضرورة استخدام القوة في الحالة الراهنة.

بروز حركات متطرفة (جحيمية) غايتها القتل والذبح وإشعال الحروب وسبي النساء وأسر الأطفال وحرق الحياة، لا يتحمله منسوبو هذه المجموعات فحسب، كما لا يمكن نفيه إلى الخارج دوماً (أمريكا وأوروبا)، بل هو تفاعل لتراكمات داخلية اجتماعية وثقافية وسياسية عميقة انتجت الواقع الماثل وأفرزت هذه الفوضى العارمة.

النسق الاجتماعي والثقافي الذي كرست له السلطات السياسية (المنظومات الحاكمة) في الدول العربية لما بعد الاستعمار، هو المسؤول الأول عن المشهد الرث الماثل، فالخاطاب الإسلاموي المتشد والمتشدق، والخطاب القومي العربي الفاجع، ومنظومة العسكرتاريا الحاكمة لا يمكنها ادعاء البراءة والتنصل مما يحدث باسم الإسلام من تقتيل ورعب وذبح يستهدف به المسلمون مسلمين آخرين في المقام الأول (جل الأكراد مسلمين سنة)!!

ما أنتجته الأنظمة الحاكمة من انساق اجتماعية وثقافية ضخت فيها الكراهية البغضاء لمكونات وأقليات أخرى شريكة في الوطن، هو ما أنتج داعشاً والقاعدة وخلافهما، ثم أفرز لاحقاً بيئات حاضنة أو متواطئة معها كما في حالة (العرب السنة) في العراق على المستوى الاجتماعي، وحزب الحرية والعدالة في تركيا على المستوى السياسي.

محاولة نفي (داعش) بوصفها منظومة فكرية عن ارتباطها بالإسلام ديناً متسامحاً، بهذه الطريقة الدعائية الإعلامية، عمل يكرس لتناسل مجموعات أخرى أكثر تطرفاً ودموية منها، لذلك علينا أن نعيد النظر حول هذا الخطاب المتعجل (الموضعي)، ونعترف بوضوح أن فكر(داعش) مرتبط بتيارات فكرية إسلاموية حركية معروفة، أتاحت لها الأنظمة الحاكمة لأغراض سياسية ترويج تفسيراتها للدين على حساب التبارات المعتدلة الأخرى، ولم تتح لهما فرصاً متوازنة، فبينما كان السلفيون يتحركون بحرية في مصر، كانت سلطات (مبارك) الأمنية، تغض النظر عن استهداف (فرج فودة)، وتتواطأ بالصمت إزاء نفي وعزل (نصر حامد أبو زيد).

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي