عبد اللطيف البوني

العلم الجبل الثبات


[ALIGN=CENTER]العلم الجبل الثبات [/ALIGN] توسد ثرى العليفون البارد – ان شاء الله – يوم الاثنين الماضي رجل استثنائي، رجل شهدت أرض العليفون الطيبة اطلالته على الحياة قبل اثنين وتسعين عاماً، وها هو يعود اليها بعد مسيرة وطنية حافلة بالمواقف السياسية جعلته علماً من اعلام السودان ومكان احترام وتقدير الذين يخالفونه في الرأى قبل الذين يوالونه لوضوحه وثباته على مواقفه.
حاج مضوي محمد احمد الذي لم يتعاط تعليماً نظامياً استطاع ان يقف كتفاً بكتف مع خريجي غردون التذكارية مناضلاً من اجل الاستقلال ثم يقف كتفاً بكتف مع أبكار رجالات الخدمة المدنية والعسكرية والسياسية الذين قاموا بعملية السودنة لانه هو من قام بسودنة التجارة تصديراً واستيراداً.
حاج مضوي الذي بدأ حياته العملية سائقاً ثم تاجراً متجولاً دخل عالم السياسة من نفاج الازهري ظل في حركة دؤوبة في طريقين لا ثالث لهما فإما ان يكون ناشطاً حزبيا في حكومة حزبية أو معارضا لنظام عسكري، فقد كان رحمه الله لا يعرف التوسط وبما ان الحياة العسكرية كانت هي الأطول فقد كان نشاطه المعارض هو الأطول. ميزة حاج مضوي التي ميزته على السياسيين كافة في السودان دون استثناء هي انه لم يتزحزح عن عقيدته الليبرالية في يوم من الايام.
رأيت عمنا الحاج في قريتنا بالدائرة «67» المسيد وأنا صبي في العام 1965م حيث كان مرشحاً في مواجهة الشيخ عبد الرؤوف حامد التكينة مرشح جبهة الميثاق الاسلامي ولكن نزاله الاكبر كان في الانتخابات التالية – اي – في العام 1968م في مواجهة الدكتور حسن الترابي في نفس الدائرة مما اتاح لنا ونحن في ذلك العمر المبكر رؤية الازهري وابوحسبو والشريف الهندي والترابي ومحمد صالح عمر ويس عمر الامام وصادق عبد الله عبد الماجد وعبد الخالق محجوب واحمد سليمان يجوبون قرانا لأن الدائرة كانت (مولعة نار).
في تلك الانتخابات لعلعت الاذاعات باسم الحاج مضوي تاجر الاسبيرات الذي فاز على حامل الدكتوراة من السوربون وكان هناك ايضاً اسم السيد محمد داؤود الخليفة الفائز في دائرة الجبلين على السيد الصادق المهدي في ذات الانتخابات، وقبل الانتخابات كان مقتل وليم دينق وبذلك تبددت الفكرة التي قام عليها مؤتمر القوى الجديدة الذي كان اساطينه هؤلاء الثلاثة وهذه قصة اخرى.
في العام 1986م ترشح عمنا حاج مضوي في ذات الدائرة للمرة الثالثة في مواجهة الشريف بدر عن الجبهة القومية الاسلامية وأذكر انني قابلت أحد ابنائه الأفاضل وقلت له ان الحزبية في هذه المنطقة قد تراجعت وأصبحت القرية هي الوحدة الاجتماعية التي تؤسس عليها المواقف السياسية، فالأفضل لعمنا الحاج ان يترشح في العاصمة وكان مولانا الميرغني من الواقفين ضده في ذات الانتخابات وله مرشح في ذات الدائرة وقبل عدة سنوات كتبت في هذا الموضوع ففاجأني عمنا الحاج مضوي بزيارة صاعداً سلماً لثلاثة طوابق فأخجل تواضعي وبعد السلام والسؤال عن الوالد والأعمام حكى لي الكثير المثير عن جولاته الانتخابية الثلاث في تلك الدائرة ومجاهداته ضد الاستعمار والعساكر والطائفية وقد كانت جلسة طيبة يندر ان يجود الزمان بمثلها.
برحيل عمنا الحاج مضوي تكون قد انطوت صفحة من صفحات السياسة السودانية مرصعة بالأحداث الجسام شخوصها خواجات وعساكر وأفندية وطائفية كتب فيها الحاج مضوي اسمه بأحرف بارزة رغم انه لا ينتمي لأي ضلع من أضلاع هذا المربع الا انه كان فاعلاً داخله معارضة وموالاة. اللهم تقبله قبولاً حسناً وأنزل شآبيب رحمتك على قبره الطاهر.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22693) بتاريخ 9/7/2009)
aalbony@yahoo.com