كيوتل والأسماء العجيبة
كانت مؤسسة الاتصالات القطرية كيوتل التي التحقت بها بعد تأسيسها بأشهر قليلة، تشغل بناية من طابقين في قلب الدوحة، ما يعني أن عدد العاملين فيها كان محدودا، فقد كانت الخدمة الأساسية هي الهواتف الأرضية التي تعمل بالنظام التماثلي، وكانت هناك خدمات مهمة وسريعة للعملاء في قطاع الأعمال، وبعض من عامة الناس، ولكنها اندثرت وهما البرقيات والتلكس، وجيل العشرينيات ربما سمع بالبرقيات/ التلغرافات ولكنه لم يسمع بالتلكس، وكان نظام بث الرسائل عبره يتم بطريقة عجيبة فأنت تطبع الرسالة فلا ترى من حروفها على شريط ورقي سوى ثقوب، يتم فك شفرتها عند وصولها إلى الطرف الثاني، وكانت هناك محطة بحرية تتولى نقل وتوصيل الرسائل بين السفن، ولأن عدد العاملين في المؤسسة كان قليلا فقد كنا يعرف بعضنا بعضا جيدا ونتواصل اجتماعيا، وعند وصولي مع عائلتي تولى زملاء قطريون مساعدتي لتسجيل عيالي في المدارس وتسجيل نفسي في مدرسة لقيادة السيارات لأنه حتى رخص السواقة الخليجية لم تكن قابلة لـ«الترجمة»، أعني أنني كنت أحمل رخصة سواقة سعودية وأخرى إماراتية ولكن لم يكن ممكنا استبدالها برخصة قطرية من دون الخضوع لاختبار سواقة، ولن أنسى يوم اكتشف زميل لي أنني أسكن إلى جواره فأصر على توصيلي جيئة وذهابا يوميا على مدى عدة أسابيع إلى أن حصلت على «الإقامة» ثم على رخصة السواقة، ولن أنسى الصديق سلطان عبدالله المفتاح مدير شؤون الموظفين وقتها وكيف أتيته وأنا لم أكمل شهري الثاني من فترة الاختبار القانونية وقلت له: مش عايز بدل سكن، عايز سكن مجاني ومبروك عليكم البدل، مع أن عقد عملي كان ينص على أن أتقاضى بدل سكن، وكان البدل مجزيا، يكفي لاستئجار بيت جميل وسداد فواتير الماء والكهرباء، ويكون هناك فائض تبحبح به، ولكنني فوجئت ذات يوم بانقطاع الماء والكهرباء عن بيتي وكان مالك البيت يسكن إلى جواري فذهبت إليه لأشكو له من خلل في توصيلات الكهرباء أدى إلى وقف تدفق الماء من الخزان العلوي، ثم اتضح أنني لم ادفع فواتير الماء والكهرباء أكثر من شهر، ولم يكن ممكنا سداد الفاتورة الا في اليوم التالي (لم يكن الدلع الحاصل اليوم واردا: تفتح الإنترنت وتسدد قيمة فواتير كل الخدمات)، ومن دون لت وعجن كثير شرع سلطان في سؤال قسم الإسكان ما إذا كانت هناك مساكن تابعة للمؤسسة خالية، وبعد اتصالات دامت نحو نصف ساعة أبلغني أن هناك فيللا في حي المطار ضمن مجمع سكني صغير تستأجره المؤسسة وأنه بإمكاني الانتقال إليها بعد يومين أي بعد أن يجهزها قسم الإسكان بالأثاث والمفارش وأدوات المطبخ بكل تفاصيلها (كان رئيس قسم الإسكان هنديا اسمه «يد الله»، ورغم أنه كان حسن الاسلام، فشلت محاولاتنا في إقناعه بأنه ليس «يد الله»، وربما يكون «جاد الله»، وقد هاجر إلى الولايات المتحدة قبل نحو عشرين سنة، وبعد هوجة مكافحة الارهاب الأمريكية ابتداء من سبتمبر 2001، وما تبعها بسوء الظن بالمسلمين عموما، اظن أنه اضطر إلى تغيير اسمه إلى «حسبي الله»، وأذكر أنني طلبت من صديق أن يعثر لي على شخص يجيد كي الملابس، ليعمل عندي في البيت مرتين في الاسبوع، وجاءني هندي مسلم وسألته عن اسمه فقال: مهين الدين، ولكن أهلي وأصدقائي ينادونني «مهين»، وخلال دقائق شرحت له أنه ما لم يغير اسمه إلى «محيي الدين» فإنه سيروح في داهية واصطحبته إلى المحكمة الشرعية، وما إن سمع قرأ مسجل المحكمة طلب تغيير الاسم حتى صاح: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنت محيي الدين ابتداء من الآن ومن دون رسوم وطوابع دمغة).
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]