عبد الجليل سليمان

أكثر تعقيداً من ذلك


[JUSTIFY]
أكثر تعقيداً من ذلك

الصورة التي يطرحها الإعلام الرسمي وشِبه الرسمي في الخرطوم (أي كل الإعلام)، عن تقارب محتمل بين السودان ومصر إثر زيارة الرئيس البشير الأخيرة، هي صورة مصغرة جداً ومختزلة للغاية للمشهد الشائك والمعقد بين البلدين.

مشهد لا يُمكن لزيارة رئاسية أن تفك عقدته وتحل عقدة لسانه ليصبح بين ليلة وضحاها فصيحاً مبيناً، خاصة وأنها ذات تشابكات وتداخلات إقليمية ودولية، لكن هذا لا ينفي الإشارات الإيجابية التي تومض من بين أكمامها.

ما أنا بصدده الآن، هو المقاربة بين تناول الإعلام المصري للزيارة ونظيره في السودان، حيث بدا الأخير جياشاً وعاطفياً ومهرجانياً، فيما راوح الأول وزاوج بين العقلانية والتحليل العميق وبين نوع من الاحتفاء المُعقلن غير الفيّاض.

في حين أن رئيس برنامج الدراسات الأفريقية بمركز الأهرام (الدكتور أماني الطويل) ركزت في حديثها الذي أدلت به لقناة (سي بي سي) على أن الهدف الرئيس من الزيارة يكمن في إنها ستضع ضوابط وأسساً جديدة للعلاقات بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بنقاط الاختلاف التي تشمل مناصرة النظام السوداني لعناصر متطرفة، وسيتم حل هذه المشكلة العالقة في إطار آلية دول جوار ليبيا التي تضم أيضاً مصر وتونس والجزائر.

وعلق (هاني رسلان) الخبير بمركز الأهرام على الزيارة في صفحته على (فيس بوك)، قائلاً: في الوقت الحالي تعد قضايا المياة والأمن سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي على رأس القائمة، بما يشمل الأوضاع في (ليبيا). وأضاف: ليس من المنتظر إنجازات إو إعلانات كبيرة، ولكن الأهم هو تواصل الحوار والسعي إلى التعاون والتوافق.

وفيما عدَّ السفير المحمود عبد الحليم زيارة الرئيس إلى مصر انطلاقة جديدة لعلاقات البلدين في كافة المجالات، كما ستشكل دفعة قوية لتعزيز التعاون المشترك، ذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين (حسن الساعوري) إلى أن الأولوية بالنسبة للرئيس البشير ستكون النزاع حول تبعية حلايب، بينما ستكون الأولوية بالنسبة لمصر سد النهضة.

يبدو البون شاسعاً، فلا قضية حلايب ولا قضية سد النهضة بالنسبة لإدارة السيسي مطروحتان بذات القدر الذي يروج له إعلام الخرطوم وخبراؤها، إذ أن قضية حلايب (مجمدة) ولا يأبه بها أحد، إلا عندما يُراد استخدامها كـ (كرت ضغط) ضمن اللعبة السياسية. أما فيما يتعلق بسد النهضة، فهنالك مداولات وتسويات مباشرة جارية بين مصر وإثيوبيا بمشاركة السودان، ولا يحتاج الأمر إلى زيارات وقمم رئاسية.

إذن، فالزيارة لا تستهدف هاتين القضيتين، وإنما تُعنى بالملف الأمني، وما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، والأوضاع المتفجرة في ليبيا، كما تستهدف كما قال (رسلان) – مواصلة الحوار والسعي إلى التعاون والتوافق بين البلدين في مجالات عديدة، ليس من ضمنها – على الأقل في المدى المنظور – قضية حلايب، ربما تأتي مسألة العلاقات المائية في مرتبة أعلى منها، وأقل من الترتيبات الأمنية بالمنطقة. لذلك فإن رفع سقف التوقعات بأن تثمر الزيارة عن حلول سحرية أمر مبالغ فيه، لأن الموضوع أكثر تعقيداً مما نتصور.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي