جمال علي حسن

ذكرى أكتوبر.. التي تم حذفها


[JUSTIFY]
ذكرى أكتوبر.. التي تم حذفها

مرت علينا أمس ذكرى ثورة ٢١ أكتوبر 1964 – الثورة الشعبية العارمة في السودان والتي أزالت نظام الحكم العسكري بقيادة إبراهيم عبود.. وقد تربت الأجيال السابقة ثم بعدها تربى جيلنا نفسه على عظمة تلك الثورة بل حين حدثت انتفاضة أبريل التي أسقطت حكم نميري كان آباؤنا يقولون (إنتو ما شفتوا ثورة أكتوبر) وأن ثورة أكتوبر كانت أقوى وأكبر من انتفاضة أبريل.

برغم كل ذلك الزخم المفرط وتلك العظمة الكبيرة التي كانت لثورة أكتوبر لكن كل ذلك انتهى تماماً الآن ولم تعد ذكرى أكتوبر ذات تأثير إن لم نقل إنها لم تعد موجودة أصلا ًبذات الإحساس القديم..

والأسباب في تقديري متكاتفة وعديدة منها ذلك الخيال الأدبي الزائد عن الحد الذي رسمه الشعراء والأدباء للثورة ثم التجريب العملي الفاشل لبعض من برزوا في واجهة أكتوبر وظلوا موجودين حتى الآن.. لكن السبب الأهم في هذا النسيان الذي حدث هو تبدد الإحساس القومي عند الشعب السوداني.

وهذا تقريباً هو أهم الأسباب التي ظلت تؤدي إلى فشل كل محاولات المعارضة السياسية الموجودة الآن لاستدعاء أو استحضار إحساس الانتفاضة الشعبية في السودان وتكرارها لإسقاط النظام الحاكم اليوم.

لقد تبدد الإحساس القومي الجماهيري في السودان بفعل سيطرة المشاعر الجهوية وإنعاش حالة العودة إلى القبيلة والانتماء الى العشيرة، وأكاد أجزم الآن أن انتفاضة أبريل كانت آخر الثورات الشعبية القومية في الدولة السودانية المعاصرة.

وحتى لو افترضنا عودة الإحساس القومي مرة أخرى لكن عودته لن تكون غداً ولا بعد عشر سنوات أو حتى عشرين عاماً، لأن هناك عملية تخريب كبيرة قد لحقت بهذا الإحساس وستكلف المثقفين في بلادنا وقتاً طويلا لإصلاحه من جديد وذلك بعد أن يشرعوا في عملية الإصلاح من الأساس.. وهم وبكل الأسف لم يشرعوا في ذلك حتى الآن بل لم يباشروا عملية البحث والتشخيص السليم.. و(حِلَّك)..!

شخصياً لم أشعر بالغضب الشديد من إحدى الفضائيات العربية الإخبارية هي فضائية (سكاي نيوز) صباح ذكرى أكتوبر أمس حين بثت فقرة اسمها (هذا اليوم في التاريخ) وهي فقرة ترصد وتورد أهم الأحداث التاريخية التي حدثت في مثل هذا اليوم.. وفعلا أوردت وفاة الكاتب أنيس منصور ٢٠١١ وأحداثا تاريخية أخرى حدثت في مختلف أنحاء العالم لكنها لم تورد ذكراً لثورة أكتوبر في السودان. شخصياً لم أشعر بالغضب الشديد من تلك القناة وكيف أغضب على فضائية لأنها فقط لم تحك جلدي بدلا ًعني.

قلة وعي الأنظمة التي حكمت السودان في الفترات الماضية بما فيها نظام الإنقاذ نفسه، قلة وعيها بقيمة الثورات كشواهد وأدلة على الوعي الجماهيري المبكر والكسب الحضاري لهذا الشعب العظيم، مصحوباً بمخاوفهم من استدعاء الحالة الثورية في المجتمع هذا هو السبب الذي جعل تلك الأنظمة تهمل عن قصد هذه المناسبات حتى بلغنا درجة قام الآخرون فيها بحذف تلك المناسبة من كتاب التاريخ.. وما أقسى هذا النوع من الحذف المرير!

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي