هل قاد خليل معركة أم درمان بنفسه؟
أما د.خليل نفسه فمن غير الواضح ما إذا كان قد تجرأ على التقدم أكثر من ذلك كما تواترت الأخبار بأنه دخل أم درمان، أم أنه ظل قابعاً في صحرائه تلك ينتظر بلا طائل إشارة النصر التي لم تكن في واقع الأمر- وخلافاً لأحلام الرجل- سوى قلة من الجرحى والفارين من قواته الذين تمكنوا من النجاة بجلدهم من معركة كان الجميع فيما عداهم على ما يبدو يعلمون أنها معركة خاسرة.
ولكن يبدو أن هناك ما يشبه الإجماع على أن خليل قاد المواجهة المميتة بنفسه كما ذكرت المصادر الرسمية وكما قال للقنوات والإذاعات..وبالتالي فإن هناك علامة استفهام كبيرة حول الأسباب التي جعلت خليلاً يدخل رأسه في فك الأسد، ويجعل مستقبل الحركة كلها في مهب الريح..هل لثقته المفرطة في توافر كل عوامل النجاح لمهمته؟ أم لشكوكه في قدرات قادته؟ أم انه يريد أن يرفع الروح المعنوية لجنوده؟ أم كل ذلك معا؟.
الروايات تتضارب حول موقف الرجل وإدراكه لطبيعة المحرقة التي دفع رجاله نحوها، وللواء حسب الله عمر نائب مدير جهاز المخابرات السابق تفسير خاص للأمر فخليل حسب رأيه ليس صاحب العملية ولكنه شخص تم استغلال الأوهام الكبيرة التي تسيطر عليه وتجعله يشعر أن القدر يعده لإنجاز أمر غير عادي، أما أصحاب العملية الحقيقيين فهم من قدموا التمويل والخطط والوعود، ويرى اللواء حسب الله عمر أن خليلاً هو أحد المنفذين للعملية ولم يكن من الممكن أن يقدم له كل هذا الدعم وهو جالس في فندق بإحدى دول الجوار إذ أن قرار قيادة الحملة ليس قراره لكنه شرط من شروط الممولين الذين يعلمون قبل غيرهم أن الحملة لن تنجح بدونه لذلك فرضت عليه قيادة العملية حتى أم درمان، بمعنى أنه قاد عملية لا يدرك أهدافها وتبعاتها ولو صدر هذا التكليف لقائد أية حركة أخرى لما قبل القيام بهذا الدور الانتحاري لتكون القوى المعنية قد أرسلت عبره رسالتها وانتهت.
وترجح التحليلات أن الرجل تخلى عن قيادة المهمة بعد مسافة المائة كيلومتر الحرجة لقواده الذين أكملوا مع بقية القوة رحلة الموت، ولكنه ظل يردد أنه داخل أم درمان لاعتبارات خاصة بسلامته، يقول أستاذ علم النفس السياسي د.محمد محجوب هارون : (لدىَّ شك في أنه من قاد هذه الحملة، لا يوجد شخص عاقل أو حركة تقود مثل هذه العملية، لا توجد شواهد أكيدة على أنه قاد الحملة حتى أم درمان، ربما يكون قد تحرك مع الحملة حتى مكان معين دون أن يمضي معها إلى النهاية)، ويضيف: إنه من النوع الذي يمتلك عزيمة لتطبيق أفكاره وكاريزما جعلته يحافظ على حركته رغم الانقسامات العديدة التي حدثت في حركته ولكن لديه درجة معينة من الدوغما والتمسك برأيه جعلته لا يدرك الحجم الفعلي لقواته وقدراته والآثار السلبية لفشل معركة الحركة في أم درمان والتي شكلت ضربة قوية ذات أثر عسكري بالغ على الحركة رغم تمكنها من الوصول إلى العاصمة. ويؤكد الفريق أول ركن محمد بشير سليمان الناطق الرسمي السابق باسم القوات المسلحة أن العرف العسكري جرى على أن لا يدخل القائد الأساسي للعملية تحت نطاق تأثير المعركة ولكنه يظل يراقب العملية ويتابع المعلومات حتى تنجلي المعركة ويضيف: (في تقديري أن خليل لم يدخل أرض المعركة).
ومما يقوي الاعتقاد بأن خليل لم يصل مع رجاله حتى النهاية امتلاكه لخطة لحظات أخيرة فيما يبدو فقد لاحقته القوات المسلحة غربي أم درمان وعلى الحدود ما بين ولاية شمال كردفان والولاية الشمالية حتى جبل عيسى وجبل الراهب وتم رصد مكالمة هاتفية عبر الأقمار الاصطناعية يطلب فيها من الحكومة التشادية إرسال طائرة مروحية لإجلائه، وقد نقل عن مني أركو مناوي زعيم حركة تحرير السودان والمطلع بحكم ماضيه على تكتيكات وأساليب التمرد في دارفور أن د.خليل لا يمكن أن يكون قد دخل مع القوات ولكنه ظل يدير العملية من على البعد، ويدعم ذلك مصرع القائد الجمالي حسن قرب قرية أم قفل على مسافة خمسين كيلو متراً من أم درمان.. وقد قيل عن الجمالي وخليل أنهما مثل توأمين لا يفترقان وأينما وجدت أحدهما فالآخر قريب منه لا محالة، ويصب ذلك في اتجاه أن خليلاً ظل يتابع الحملة من خارج المدينة، ورغم أن دخول الرجل إلى الخرطوم بالفعل أو بقائه بعيداً في الصحراء يظل أمراً غير مؤكد إلاّ أن الأمر برمته يعكس عدم إدراك خليل لما أقدم عليه وأنه لم يكن يمثل مع رجاله سوى أدوار الكومبارس التي تم توجيهها إلى خشبة مسرح الموت في أم درمان دون أن تدري، ومن على البعد.
الرأي العام
مجاهد بشير[/ALIGN]