ضياء الدين بلال

على رسْلك يا مو..!

[JUSTIFY]
على رسْلك يا مو..!

-1-
وقتذاك، كنت رئيساً للقسم السياسي بالعزيزة (الرأي العام)، ومشرفاً على الملف السياسيِّ الأسبوعيِّ ذائعِ الصيت.
اخترتُ الأستاذ محمد عبد السيد، الصحفيَّ الكبيرَ، وخريج مدرسة وكالة الأنباء السودانية (سونا) في عهدها الزاهر، مراقباً صحفياً على الملف الأسبوعي.
المراقب الصحفي في الصحف العالمية الكبرى، يقوم بدور مراجعة الأخطاء وتصويبها، نيابةً عن القرَّاء، وتقديم الملاحظات للصحفيين، وإدارة التحرير.
المراجعة التي يقوم بها المراقب، ليست مراجعة داخلية هامسة في الغرف المغلقة؛ بل مراجعة تصويبية جهيرة، تُنشر على صفحات الصحيفة، ويطَّلع عليها القراء.
-2-
بعض زملائي في القسم السياسي، تحسَّسوا من الانتقادات، التي كان يوجِّهها عبد السيد لموادهم الصحفية كل أسبوع.
طالبوا بنقل مهمة عبد السيد إلى داخل الصالة، بعيداً عن القراء، رغم أنَّ الأستاذَ الجليلَ كان يؤدي المهمة بمهنيَّة عالية، دون تزيد أو تجنٍّ أو قسوةٍ تعبيريةٍ أو تجريحٍ للصحفيين.
كان مقياس المراقب الصحفي دقيقاً وحكيماً، لا يُخطئ بلا حيثيات، ولا يصدر أحكاماً قطعية مُغلقة.
يدخل على النصوص برفق، ويصوِّب المحررين بلطف حازم.
كنت أقول للزملاء: طالما كنّا جريئين في نقد الآخرين؛ علينا أن ندرِّب أنفسنا على احتمال النقد، والاستفادة منه في التطوير والإصلاح.
-3-

وفي تجربة (السوداني)، ظل أحد كتابها الأفاضل حريصاً على تسجيل الانتقادات والملاحظات على الصحيفة، داخل القروبات الداخلية في الفيسبوك، وفي المنابر الفتوحة.
ظللنا نتقبل بعض الملاحظات، ونردُّ على البعض الآخر، ونتجاهل البقية.
من قبل، فوجئت الدكتورة شذا بلة المهدي، إحدى ناشطات المعارضة في أمريكا، بنشر مقالها على صفحات (السوداني)، والذي تنتقد فيه رئيس التحرير بعنف لا يخلو من الإساءات والتجريح، دون أن تُحذف كلمة واحدة من المقال.

ولم يتوقع الدكتور زهير السراج، أن يجد ذات المساحة التي وجدها رئيس التحرير في ذات الصفحة، وهو يشنُّ هجوماً كاسحاً على (السوداني) ورئيس تحريرها وناشرها الجديد.
رغم ذلك، كثيراً ما غضب منا بعض المسؤولين، حينما يجدون بعض كتاب الصحيفة، يتناولون أداءهم وسيرتهم بصورة ناقدة، ويظنون -أي المسؤولون- أن ما بيننا من علاقات خاصة، كان ينبغي أن يترتّب عليها منع نشر ما يسوءهم على صفحات الصحيفة!
-4-

الصديق العزيز محمد عثمان إبراهيم (مو)، المقيم بأستراليا، والكاتب البارع بـ(السوداني) شَنَّ علينا هجمة تجريحية ضارية في مقاله بعدد أمس.
حملة الصديق (مو) منطلقها الترويج في الصفحة الأولى بـ(السوداني) لخبر في الصفحات الداخلية، وهو قيام ناشطات في دولة جنوب السودان، بإطلاق دعوة للامتناع عن ممارسة الجنس مع أزواجهن، من أجل إجبارهم على إيقاف الحرب.

خبر تناقلته وكالات الأنباء العالمية، وأغلب الصحف الكبرى في المنطقة العربية، وهو خالٍ من الابتذال أو الإيحاءات الفاحشة، وهو لا يخلو من الطرافة والغرابة.
بتزمُّت وتطرُّف غير معهود على الصديق “محمد عثمان”، قرر الرجل -بتعسف بائن – أن يضعنا ضمن قوائم الصحف الصفراء، صحف الفضائح الجنسية والصور العارية.
قلت لـ(مو):
لا يوجد مبرر موضوعي أو أخلاقي، للحساسية الزائدة من تناول الخبر والترويج له.
الخبر له علاقة بالسياسة وعلم الاجتماع وثقافة الشعوب. وبغضِّ النظر عن الجدوى العملية للإضراب؛ فالتجربة تم استخدامها في كينيا، إبان المواجهات الدامية في 2009.

وذات التجربة انتقلت إلى بلجيكا، حيث وجهت دعوة لزوجات السياسيين بالإضراب عن ممارسة الجنس مع أزواجهن، كوسيلة للضغط عليهم للإسراع في تشكيل حكومة ائتلافية.
-5-
كان الأوْلى أن يفتح الخبر أبواباً للدراسة والبحث، عن تأثيرات الحروب على منظومة العلاقات الاجتماعية والإنسانية داخل مجتمع الحرب، واستخدام الجنس لأغراض تحقيق السلام، مع مقارنة ارتباطه التاريخي بالحروب وحوادث الاغتصاب.
وفي التاريخ العربي، في موقعة أُحد، استخدمت هند بنت عتبة الجنس كوسيلة للتحريض على الحرب، على نقيض نساء كينيا وجنوب السودان، حيث كانت تنشد مع صويحباتها:

إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق فراق غير وامق.

عزيزي محمد عثمان:
عليك مراجعة ميزان القياس.. لا يوجد في الخبر ما يسيء للذوق السليم، ولا لمشاعر القراء؛ وإلا لأصبحت كتب العلوم والأحياء في المراحل التعليمية التي تتحدث عن التناسل بمقياسك- من ضمن محرمات النشر.
[/JUSTIFY] [EMAIL]diaabilalr@gmail.com[/EMAIL] العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني