عبد اللطيف البوني

الحكاية ماشة


[ALIGN=CENTER]الحكاية ماشة[/ALIGN] في مقال سابق قلنا ان كلمة جاذبة التي أصبحت تلحق بالوحدة في السودان كشرط لها أضحت ذاتها مشكلة وبها كثير من اللبس، لأنه لا يوجد مقاس محدد كي نقيس به المرحلة التي وصلت اليها هذه الجاذبية كما ان الاتفاقية – سامح الله من وقعوها – لم تحدد لنا الأشياء التي تجعل الوحدة جاذبة لذلك أصبحت لفظاً مفتوحاً لا ساحل له، فالسباحة فيها مرهقة وخطرة.
مصدر الالتباس في الأمر ان الاخوة الجنوبيين يقدمون أفهاماً وتفاسير مختلفة لكلمة جاذبة، هذا طبعا بعد استثناء الجنوبيين الذين يصرون على الانفصال حتى ولو (نقط ليهم الشمال العسل في أفواههم)، فعند الدكتور جون قرنق وهو زعيم وحدوي يمكننا ان نتلمس فهم جاذبة في دعواه للسودان الجديد، فالسودان الحالي بالنسبة له يقوم على ظلم المركز للهامش، وبالتالي لابد من ازالة هذا الظلم وذلك بتنمية الهامش (بأن تذهب المدينة للريف ولا يأتي الريف للمدينة)، وهذا لن يتأتى الا اذا اشترك أبناء الهامش في الحكم ومن هنا يعتبر الصراع على السلطة مقدمة ضرورية لبلوغ السودان الجديد، فالمسألة ليست تنمية اقتصادية فحسب، لأنه على حسب قرنق ان الهامش فقد الثقة في عصابة (الوسط)، فالسلطة بالنسبة له غاية ووسيلة. بعد اتفاقية السلام يمكن ان نقول ان قرنق لم يتنازل عن فكرة السودان الجديد ولكنه اكتفى ولو مؤقتاً بتلك المرحلة من الصراع وانه يمكن ان يتحقق هذا السودان بدون صراع بل بزمن أطول.
بعض الجنوبيين يرون ان الوحدة الجاذبة تكمن في ابعاد الدين عن الدولة واقامة دولة علمانية، فأي قوانين مستمدة من الدين تعتبر خصماً على الوحدة، فاذا أراد الشمال الوحدة عليه ان يجعل الدولة محايدة دينياً. اتفاقية السلام الشاملة ايضاً وصلت الى حل وسط في هذه المسألة بأن أعطت الولايات الحق في اختيار القوانين التي تلائمها، والأهم انها أرجعت الأمر للأمة بالانتخابات ولم تضع أي قيد ديني على أهلية المتنافسين على المناصب العامة.
راجت وسط الجنوبيين الفكرة التي تقول ان أسطع دليل على الوحدة الجاذبة هو ان يحكم السودان جنوبي غير مسلم، وأغلب الظن ان هذه (الكبسولة) التقطها الجنوبيون من غيرهم وان قال بها احدهم من داخل البرلمان الجنوبي. بعض الجنوبيين يرى ان الوحدة لن تكون جاذبة الا اذا أظهر الشماليون احترامهم للثقافات الجنوبية والعنصر الجنوبي بأن يتم التزاوج بين الجنوبيين والشماليين وتحديداً ان يتزوج الجنوبيون شماليات، فاذا لم يحدث ذلك فلا داعي للكلام عن الوحدة. على العموم هذين الامرين (الرئيس غير المسلم والزواج) لايطرحان في أروقة السياسة ولكنهما موجودان في الشعور العام.
رغم كل الذي تقدم، فالعقلانية لم تنعدم وسط السياسيين، جنوبيين على شماليين ويمكن جداً استنباط برنامج محدد يجعل الوحدة امراً مقبولاً للكافة، فاتفاقية السلام الشاملة التي تحكمنا الآن قد أرست قواعد طيبة لهذه الوحدة سواء في تقسيمها للسلطة (الفدرالية أو حتى الكونفدرالية) والثروة(عائدات النفط والايرادات العامة)، فالجنوب الآن يحكم نفسه بنفسه بنسبة مائة بالمائة، (فالمؤتمر الوطني أعطى كل مناصبه في الجنوب للجنوبيين) وفي المركز بنسبة ثمانية وعشرين بالمائة وفي النيل الازرق وجنوب كردفان بنسبة خمسة وأربعين في المائة وفي بقية الولايات الشمالية بنسبة عشرة في المائة (في تمييز ايجابي اكتر من كدا؟). في الاسبوع الماضي شهدنا القائد سلفاكير يحكم كل السودان وقادة أكبر طائفتين دينيتين وأكبر حزبين عقائدين يتزاحمون على بوابة بيته في حي المطار(يعني الحكاية ماشة فقط المطلوب شوية صبر).

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
بتاريخ20/7/2009)
aalbony@yahoo.com