عبد الجليل سليمان

لو مات العازف بالذات


[JUSTIFY]
لو مات العازف بالذات

كثيرون بمن فيهم ماركسيون جذريون لا يعلمون عن عرَّابهم (كارل ماركس) أنه كان (يقرِض) الشعر عندما يتعلق الأمر بامرأة يُحبها، وبالطبع لست هنا لألومن أحداً، فالشعر كان بالنسبة للرجل محض وحي عابر حين انشغاله عن مركزيته مثل (رأس المال، بيان الحزب الشيوعي وحول المسألة اليهودية)، بهوامش الرسائل الشخصية والأشعار العاطفية.

لكنه في ذلك الهامش بدا لي وكأنه يبدع أشياء أكثر فعالية وديناميكية من المركز، لذلك قررت أن أشرك قطاعا عريضا في تأمل قصيدته التي كتبها إلى زوجته (جيني فون ويستفالين). وهي في تصوري من الروائع التي ينبغي تدبرها ليس بعيداً عن الأيدلوجيا حد (النفور) وليس قريباً منها حد (الهمس)، فاقرأوا إذن:

سعيداً سأنفح روحي وأبدّدها في تنهّد قيثارة

عميقاً متناغماً

فلو مات العازف بالذات، هل أحقق الهدف المبجّل؟

هل أنال الجائزة الأعدل

أن أهدّئ فيكِ البهجة والألم؟ فإذا قفز شغفه، حيّاً، جريئاً

في تألّق الروح الجميل، بجرأة سوف يطوي عالمك ويطيح بعرشك ويجرّك لأسفل

ولسوف يحلّق أعلى من رقصة النسيم الغربي

وناضجاً سوف ينمو فوقك عالمٌ جديد.

فيما لو اقتربنا تأويلاً إلى القصيدة، وأسقطنا مقطعاً مثل “لو مات العازف بالذات، هل أحقق الهدف المبجّل؟”، لو أسقطناه على الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومُجمل الأوضاع الراهنة هنا في الخرطوم، فلن يتحقق الهدف المبجل، هذا إذا كان هنالك هدف ضمن السياق السياسي بهذه الصفة أصلاً، لذلك وفي ظل غياب الهدف الرئيس والوجودي لنشوء الدول، فإنه حتى لو مات عازف القيثارة مرتين فإننا لن نجد بعد رحيلة (أهدافاً مبجلة) لنحققها.

للأسف، فإن كثيرين مثلي لا يرون أن لدينا في جميع المناحي أهدافاً يمكن أن نسميها (مبجلة أو غير مبجلة)، فالرياضة تتدهور، والمجتمع يتراجع عن المبادرة، والأحزاب السياسية (حدث ولا حرج)، والحكومة (الفيها مشهودة)، لذلك فإنه ينبغي علينا أولاً، وقبل أن نحلم بنمو عالم جديد فوقنا، وقبل أن نطوي واقعنا الماثل ونجره إلى أسفل، علينا أن نسعى لاكتشاف من يتميزون منا بتألق الروح الجميل فنجعلهم قادتنا، حتى إذا ذهب العازفون (بالذات) نستطيع أن نرى خلال تلك (الروح الجميلة) بعض الأهداف المبجلة.

أليست هذه أيدولوجيا؟.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي