عبد اللطيف البوني

حوار بالسلوك


[ALIGN=CENTER]حوار بالسلوك[/ALIGN] عجت الصحف حديثاً بتصريح أو ان شئت قل فتوى للشيخ يوسف القرضاوي دعا فيه المتدينين من ملتحين ومنقبات كباراً وصغاراً للاستمتاع بحياتهم والاستجمام والترويح عن أنفسهم بالتصييف بإرتياد الشواطيء واستنشاق هواء البحر العليل وجمال الطبيعة شريطة ان لا يتخلوا عن شعائرهم الدينية، فيقيموا الصلاة في جماعة ودعم شيخ القرضاوي دعواه هذه بأن وجود الملتزمين والمحجبات وهم يصطفون للصلاة في الشواطيء يدل على الصحوة الاسلامية وهذه ظاهرة طيبة. انتهى كلام الشيخ الداعية.
أغلب الظن ان هناك من سيتصدى لدعوة الشيخ القرضاوي ويعتبر اجتهاده غير موفق ويصادم نصوصاً دينية تدعو للابتعاد عن مناطق الرذيلة والشبهات والفتنة، فالشواطيء كما هو معلوم تعج بالسباحة المتخلطة وبالملابس الداخلية الخفيفة (طبعاً نحن شقينا المقابر من خلال الافلام والمسلسلات)، كما انه سوف يتصدى له المعادون للتوجهات الدينية ويتهمونه بمحاولة أسلمة الشواطيء وأماكن اللهو وسيرون في رأيه محاولة لمنع الناس ممارسة حرياتهم الشخصية بفرض رقابة شعبية عليهم.
في تقديري ان رأى أو فتوى الشيخ جديرة بأن يتوقف عندها رجال الدين والمعادون للمظاهر الدينية لأنها تنطوي على مضامين أعمق بكثير من ظاهرها، فالمسألة بالنسبة للشيخ ليست ان هواء البحر ليس محرماً على المتدينين او ان الاصل في الاشياء الاباحة انما المسألة تكمن في قوله ان اقامة الصلاة في تلك الاماكن تدل على الصحوة الاسلامية، فالرجل يدعو للاقتحام والحوار ويريد من المتدينين ان يدخلوا اي مكان ويواجهوا الناس بدينهم عسى ولعل ان يغيروا من سلوكيات البعض في تلك الاماكن، فالحوار المقصود ليس الجدل و(طق الحنك) انما الحوار بالسلوك كل يقدم سلوكه للآخر وفي النهاية البقاء سيكون للأصلح والأصح وهو الأكثر تمسكاً بمعتقده.
العلماء الذين يرفضون رأى الشيخ لن تعوزهم الحجة لأن المتدينين والمتدينات قد يفتتنون بالمناظر العارية كما ان المناوئين للشيخ لن تعوزهم الحجة في رفض رأى الشيخ لأن هؤلاء المتدينيين قد يحدون من حريات المصطافين والسابحين والسابحات بمجرد وجودهم المحتشم واداء الشعائر الدينية من آذان وصلاة. ولكن يبدو لي ان هناك مردوداً تربوياً سيعود للطرفين لأن كلاً منهما سوف يشاهد سلوكاً غير سلوكه وقد يأخذ بطرف منه أو على الاقل يتعايش معه ولن يتطرف عليه في يوم الأيام.
بعبارة أخرى يمكن النظر لفتوى أو رأي الشيخ على انها تدعو للتقارب والاعتدال بين جميع الأطراف، فوجود الجميع الملتحين والمحجبات والكاسيات العاريات في مكان واحد وكل منهم (ماخد راحته) ويمارس في هواياته دون تدخل يكبح التطرف ويعلم قبول الآخر وينتهي التطرف من الجانبين وقد ينشأ حوار بينهم حتى ولو كان صامتاً وفي النهاية وبمرور الزمن سوف يلتقي الجميع في منطقة وسطى ليقوم المجتمع بدوره وتبتعد الدولة عن توجيهات السلوك الشخصي.
ان قدر المفكرين الكبار والمجددين العظام من أمثال الشيخ القرضاوي أن يكونوا دوماً عرضة للهجوم من الأقربين والأبعدين، فالاوئل بدافع الحرص والثواني بدافع الريبة والشك ولكن في النهاية سيذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
بتاريخ22/7/2009)
aalbony@yahoo.com