عبد اللطيف البوني

السيِّدان.. لقاء ولقاء


[JUSTIFY]
السيِّدان.. لقاء ولقاء

دخل لقاء السيدين عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني في ديسمبر 1955 التاريخ السوداني الحديث، وأصبح علامة فارقة لأنه أنهى رئاسة الأزهري للحكومة، واستبداله بحكومة يسيطر عليها السيدان سيطرة كاملة، فكان ذلك الحدث ضربة موجعة لطموحات الطبقة المتعلمة في السودان، التي ظنت أنها قد استلمت الدولة السودانية من المستعمر، وأنها أصبحت صاحبة الحل والعقد فيه إلى يوم يبعثون، ولكنّ السيدين نبها تلك الطبقة إلى أنها ما زالت صغيرة ورخوة وضعيفة، وأنهما كممثليْن للقوى التقليدية يضعان كل مفاتيح السياسة في جيبيْهما، وقد وصف أحد أفراد تلك الطبقة المتعلمة يوم اللقاء بأنه أسوأ يوم في تاريخ السودان، وتكمن المفارقة في أن القائل هو السيد محمد أحمد محجوب المقرب من السيد عبد الرحمن، وأنه أصبح أهم وزير في الحكومة التي أعقبت حكومة الأزهري، ولكنه عندما جلس لكتابة التاريخ خرج منه صوت الحق (انظر كتاب المحجوب.. التجربة الديمقراطية في السودان).
دعونا نقفز من ذلك التاريخ إلى أمسية الجمعة الماضية، الفاتح من نوفمبر 2014، حيث اجتمع السيدان محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي في مدينة الضباب لندن. الأول في منفى اختياري والثاني في منفى إجباري، ليس لإسقاط حكومة البشير كما فعل السيدان مع حكومة الأزهري في 1955، إنما لتنسيق المواقف بينهما من أجل أن يكون لهما دور في مجريات الأمور السياسية في السودان، وحتى في هذا يبدو أنهما لم يتفقا اتفاقاً كاملاً، فبحسب موقع سودان تربيون، فإن المهدي عرض على الميرغني عدم دخول الانتخابات التي يدعو لها المؤتمر الوطني في 2015، وأن الثاني تحفظ على هذا العرض. ويقول بعض المحللين إن اللقاء لا يعدو أن يكون لقاء علاقات عامة، وعلى أقوى الفروض فإن أيّاً منهما يريد من لقاء الآخر أن يقوّي موقفه التفاوضي مع القوى السياسية الأخرى، حكومة كانت أو معارضة.
يبرز السؤال: ما الذي جعل السيدين ممسكيْن بخيوط اللعبة السياسية في 1955، وبعد 59 عاماً -أي عام 2014- أصبحا على هامشها، لا بل حتى وجودهما العضوي كان خارج السودان بدلاً من بحري وأم درمان؟ أكيد مياه كثيرة قد مرت تحت وفوق الجسر طوال هذه المدة وتتداخل العوامل الموضوعية مع الذاتية في هذه التطورات، فأنظمة الحكم المتعاقبة خاصة العسكرية منها ثم زيادة حجم الطبقة المتعلمة وبعض التحديثات التي طرأت على مناطق سيطرة البيتين؛ كل هذا له أثره. أما من ناحية ذاتية، فالسيدان الأوّلان كانا يديران العملية السياسية بالريموت كنترول، ولكنَّ السيدين الآخريْن دخلا في أتون اللعبة مباشرة، فجرّدا السياسة البيتية من بعض القداسة التي تتمتع بها، لذلك كانت المنافي والبعد عن القواعد وتسرب الخيوط من الأيدي. وقد يقول قائل إن بقاء السيدين مؤثرين على السياسة في السودان، وطوال هذه العقود من الزمان، هو الجدير بالبحث؛ فإن كان ذلك فلنترك الأمر لفرصة أخرى، ونعرج للسيد الثالث من حيث العمر الذي يتجول في الخرطوم على كيفه ويرسم الخطط، مع أنه لم يرث أيَّ سيادة، بل (جابا ضرب يمين وعرق جبين) وسمّاها مشيخية، فإلى الغد إن شاء الله.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]