عبد اللطيف البوني

ضد النسيان


[JUSTIFY]
ضد النسيان

الدكتور حسن الترابي، منذ أن ترك عمادة كلية القانون بجامعة الخرطوم، في 1964، وركب قطار السياسة، لم يترجّل منه حتى اليوم، لا بل زحف وفي خلال هذة العقود من عربة الفرملة إلى كابينة القيادة، بطرائق عدداً، ومكث فيها عقداً من الزمان، ثم ترجل منها بطريقة قد تكون مثل طريقة الركوب، واتجه إلى المعارضة، وفرض نفسه عليها، لا بل أخذ منها كل بريقها، وها هو الآن يعود إلى ذات القطار الذي كان يقوده.
عندما كان السيد الصادق يدعو للحوار مع الحكومة، ولم يترك لذلك سبيلاً حيث شرَّق وغرَّب بفتح الراء وتشديدها في الحالتين التزم الترابي الصمت فشغل الناس بصمته، وتعب المراقبون في تفسيره. هكذا ظل مستقطباً للإعلام في كلامه وفي صمته، ولكن بمجرد استجابة الحكومة لدواعي الحوار الذي تمثل في خطاب الوثبة في يناير 2014؛ ظهر الترابي ببسمته المعروفة، وهو يردد عبارة جاءت في خطاب الوثبة (الناس كل الناس)، وأظن الآن أن الناس عرفت ماذا يقصد، وهكذا الترابي دوماً يرمي الإشارة، ويترك فسحة من الزمن للناس لكي يفهموها.
تعثر الحوار بعد خطاب الوثبة، إذ كان اعتقال الصادق ثم خروجه، ثم إعلان باريس، إلى أن وصل الأمر إلى ديس أبابا محطة السودان التفاوضية المفضلة ثم ظهر أمبيكي متأبّطاً ملفّ الحوار، مضافاً للملفات السودانية الكثيرة التي يحملها مفتوحة حتى دون أمل في إغلاقها قريباً، فأعقب ذلك لقاء المائدة المستديرة الذي غاب عنه الصادق، وزحف الترابي إلى الأمام مع زهد غازي صلاح الدين أو تشاؤمه. وكان إصرار الترابي كبيراً وواضحاً على أن يكون الحوار والاتفاق مع الحكومة بمن حضر وبما اتفق.
ثم كان الظهور الكبير للترابي في المؤتمر العام الرابع لحزب المؤتمر الوطني، في أكتوبر الأخير، حيث كان نجم اللقاء دون منازع، وخاطبه بخطاب كان صورة طبق الأصل لخطاب الوثبة في يناير الماضي، لدرجة أن كلمة الناس كل الناس قد وردت في متن الخطاب وليس على الهامش أو بما يشبه السخرية كما حدث في يناير. ثم كان الحضور الأخطر للترابي في فاتحة الدورة الجديدة للبرلمان، لخطاب السيد رئيس الجمهورية، والذي كانت أهم نقطة فيه هي إعادة النظر في الحكم اللامركزي، وبالتحديد طريقة تولية الولاة، والتي كانت سبباً مباشراً في إغلاق ذات البرلمان في وجه الترابي، الذي كان رئيساً له، وأبدى الترابي موافقته على المراجعة، وزاد الإعلام كيل بعير عندما قال: يمكن تأجيل الانتخبات لمدة عام. وعلى حسب شمارات المدينة، فإن الترابي قد رجع إلى بيته من البرلمان تسبقه عربة تشريفة (ويو ويو ويوووو)
في أمسية الأحد المنصرم حضر الترابي جلسة الجمعية العمومية للحوار الوطني، وكان يجلس خلفه كمال عمر، الذي كان قد ابتعثه يوم جلسة البرلمان لطيبة الشيخ عبد الباقي، وقدم في ذات الجلسة مقترحاً إجرائياً أرسل به رسالة فحواها: (نحن ماشين مع بعض إلى فوق ما تتصورون)، ولكن إلى أين؟ لا أحد يستطيع الإجابة، وهكذا الحال دوماً يضع الترابي نفسه في حالة لغز، ولكن يومئ دوماً إلى أنه في حالة تحرك أو تكلم أو سكت، فتفهم منه أحياناً أنه ينفذ في خارطة مرسومة ومتفق عليها، وأحياناً يشي بأنه يريد أن يربك آخرين، وأحياناً تفهم منه أنه يتحرك في عدة خيارات، ولكنه في كل الأحوال لا يقبل أن ينساه الناس كل الناس، ولا يقبل بأي حال من الأحوال أي حالة نسيان فالسؤال: لماذا؟ وما هي خطورة مقاومة النسيان للشيخ؟ وإلى متى؟ لا تقل لي اسأل العنبة!.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]