عبد اللطيف البوني

يوم مختلف


[ALIGN=CENTER]يوم مختلف [/ALIGN] لاهاي الأمس وأربعاء الأمس كانتا مختلفتين عن لاهاي واربعاء سابقتين، فبالأمس تم صب ماء بارد على موضع قابل للاشتعال وكفى الله السودانيين كافة وأهلنا المسيرية والدينكا نقوك القتال، والأهم في الأمر ان كوة من الضوء قد انفتحت وبارقة أمل قد ظهرت في سماء ملبدة بالغيوم ونذر شر مستطير تنبعث من عدة مواضع، ولو حسنت النوايا فإن ما حدث بالأمس يمكن ان يكون بداية عد تنازلي لبلاوي السودان.
ان القرار الصادر من محكمة التحكيم الدولية بالأمس كان قراراً عادلاً ومنصفاً وقد أرضى جميع المحتكمين (الحكومتين والحزبين والقبيلتين) اللهم إلا بعض الأفراد، فالمحكمة كما قال رئيسها ان المطلوب منها كان محدداً لا بل ضيقاً جدًا وهو الاجابة على السؤال: هل تجاوز الخبراء في بروتوكول أبيي حدود التفويض الممنوح لهم أم لا؟ ولكن سعى المحكمة لاقامة العدل وفض النزاع جعلها تتعدى الاجابة المطلوبة منها في حالة انها رأت ان الخبراء قد تجاوزوا حد التفويض ولو في جزئية واحدة، وبالتالي كان قرار المحكمة العادل والمنصف.
أوجدت اللجنة العذر للخبراء في اعتمادهم على التقاليد القبلية في ترسميهم لحدود أبيي لأن هذا كان المتاح ووافقتهم في اقرارهم بحقوق الدينكا شمال بحر العرب، ولكنها أنقصت المساحة الممنوحة لهم في تقرير الخبراء الى أكثر من النصف، من ناحية الجنوب أقرت المحكمة حكم الخبراء ولكنها رفضت ترسميهم للحدود من ناحية الشرق والغرب واعتمدت حدود المديريات ساعة اعلان الاستقلال. ومجمل القرار ان المساحة التي اعتبرها الخبراء حدوداً لأبيي وهذا الذي كانت تتمسك به الحركة قد تقلصت تقلصاً كبيراً، كما ان مطالبة المؤتمر الوطني بجعل بحر العرب هو حدود أبيي الشمالية لم يجاب له، ولكن في نفس الوقت أعطيت مساحات جنوب بحر العرب الى شرق وغرب مدينة أبيي، أما مدينة أبيي نفسها فقد بردت للدينكا ومدينة الميرم بردت للمسيرية، حقول النفط والمنشآت النفطية التي تقدر بخمسة مليارات دولار بردت لحكومة الوحدة الوطنية وحقوق الرعى أصبحت محمية بقرار المحكمة. خلاصة القول هنا اذا رجعنا لاتفاق مشاكوس الاطاري الذي قامت عليه نيفاشا والذي يقول بابقاء حدود المديريات على ما كانت عليه ساعة الاستقلال، فان الجنوب سيكون قد كسب مدينة أبيي وحوالى ستة آلاف كيلومتر مربع ولكن اذا رجعنا لبروتوكول أبيي في اتفاقية نيفاشا والذي وضعه الخبراء، فان قرار المحكمة يكون قد أرجع للشمال الكثير من الأراضي الغنية بالنفط (الاذاعات والفضائيات الدولية ما كانت تذكر أبيي الا مقرونة بالغنية بالنفط).
كل الذي تقدم مؤسس على ان هناك انفصالاً قادماً، ولكن اذا نظرنا للأمر بعيون وحدوية (فكل القومة والقعدة دي ما كان في ليها داعي)، دون ان نفسد على أنفسنا وعلى غيرنا بهجة يومنا هذا لابد من أن نتساءل هل هناك شيطان مخبوء في التفاصيل؟ أغلب الظن انه لا يوجد شيطان حتى وان كان موجوداً سيكون شيطاناً صغيراً (يطير من قولة بسم الله) لأن حكم المحكمة قد جاء مفصلاً وكل المطلوب هو ان يأتي علماء الخرائط وينزلون الترسيم الموجود في أوراق المحكمة والمحدد بخطوط الطول والعرض على الأرض ولكن بيني وبينكم هناك من له القدرة على استدعاء الشيطان لأنه يعرف غناءه.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
بتاريخ23/7/2009)
aalbony@yahoo.com