ضياء الدين بلال

قصتي مع يحيى.


[JUSTIFY]
قصتي مع يحيى.

عرفته في بداياتي الصحفية، كان يمتلك إستديو تصوير بالسجانة.
كنا نتجاذب أطراف الحديث في السياسة والأدب والغناء.
مصور فنان ذو ميل يساري، شغوف ومحب لمهنته له براعة نادرة في التقاط صور المناسبات السعيدة.
يأتي إليه الزبائن من كل أنحاء العاصمة الخرطوم، وفي مرات كثيرة يغلق شارع النص في السجانة لزحمة السيارات في مواكب الفرح.
سألته مرة عن سبب وجود الصورة الشهيرة للفنان الإنسان الراحل عبد العزيز العميري ضمن الصور المعلقة في فترينات الإستديو؟!
الصورة التي يظهر فيها العميري مشدوهاً، ينظر إلى المجهول، وعلى وجهه وشعره فقاعات مياه بلورية، كأنه خارج لتوه من الحمام.
ضحك يحيى ابن القرير ضحكة بطعم التمر – هكذا كنت أعرف اسمه فقط دون إضافة – قال لي إنه التقط الصورة للعميري وحكى قصة غريبة ومثيرة، قائلاً:
(نحن صديقان. كنا نسكن معاً، وفي ذات صباح كنت أتأمل ملامح العميري وهو يهمّ بالخروج من المنزل: شعره المتموج الحالك السواد والمتمرد على المشط، عينيه اللتين تبرقان حضوراً وسناءً ووجهه الصافي العذب الملامح، فجأة جاءتني خاطرة جنونية، أمسكت بكوب ماء بارد كان أمامي على الطاولة، فدلقته عليه، وقلت له لا تتحرك، وأخذت الكاميرا فجاءت هذه الصورة مولودا جماليا لخاطرة الجنون).
سنوات طوال لم ألتقِ بيحيى.
مساء أول أمس اضطرتني الظروف للبحث عن استديو في (الخرطوم 2)، لاستخراج صور باسبورت، دخلت على استديو أنيق وعلى واجهته صور بارعة الجمال لم أرَ مثلها من قبل، لولا صورة مغني عقد الجلاد الأستاذ شمت محمد نور وزوجه المصون، ظننتها مستلفة من معامل تصوير خارج السودان.
وأنا أتأمل الصور بمتعة وإعجاب، فجأة وقعت عيناي على صورة في الحائط ليحيى، معها نص مكتوب.
الله… سنوات لم نلتقِ.
فرحت لرؤيته، وعرفت أنه صاحب هذا الاستديو الأنيق، وعبر عدسته السحرية خرجت هذه الصور الرائعة.
لحظات وكانت الفاجعة…
الكلمات المصاحبة للصور كانت تنعي يحيى الذي أعرفه، وأحمد سيد أحمد الاسم الحقيقي، والذي رحل عن الدنيا من على مقعده، وهو يستمتع بمشاهدة افتتاح كأس العالم.
الرحمة والمغفرة لرجل مبدع شفيف صاحب عدسة محبة لتوثيق الأفراح، كانت بيننا في مدى وجيز ضحكات لم تكتمل وقصص وذكريات لم تروَ ومعرفة لم تتجاوز حدود الاسم الأول.
[/JUSTIFY] [EMAIL]diaabilalr@gmail.com[/EMAIL] العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني