جعفر عباس

عربيقي ومسلم؟ كان الله في عونك (1)


[JUSTIFY]
عربيقي ومسلم؟ كان الله في عونك (1)

ذهبت إلى لندن أول مرة في سبعينيات القرن الماضي، فرحا وكأنني بُشِّرت بالجنة، ثم عشت فيها حينا من الدهر مع عائلتي بعدها بنحو عشرين سنة، وكانت قد تحولت إلى مسرح لعنف أهوج، وكل المدن الغربية الكبرى تشهد تصاعدا في معدلات الجريمة، ولكنك تستطيع أن تزورها عدة مرات دون ان تتعرض لاعتداء جسماني، إذا تفاديت مناطق لـ«الهلس» فيها، ومعظم من يتجولون في تلك المناطق يكونون تحت تأثير سوائل أو مساحيق أو أقراص أو «أدخنة» تؤدي إلى ذهاب العقل، في جولات من المصارعة غير الحرة في عالم وردي وهمي، وتستطيع ان تبعد عن الشر دون أن تغني له في تلك المدن، بالابتعاد عن المناطق الملغومة (الحمراء red light districts).
وقد تصبح ضحية لأن لون بشرتك «غلط» في المحل الغلط. وكثير من العرب يعيشون على وهم أنهم بيض، ويذهبون إلى حانات وأندية غالبية روادها من البيض، وهم يحسبون أن «الحالة واحدة»، فيتعرضون للمضايقات والضرب المفضي إلى الموت أحيانا، ذلك أن كثيرين من الخواجات يسيئون الظن بذوي البشرة السمراء، وينسى العربي أنه أسمر في نظر الخواجات، لأنه يعتقد أنه أبيض مقارنة بشديد السمرة من حوله، وتخيل حال شخص مثلي: عربيقي وأسود ومسلم… فالعروبة والأفرقة ولاحقا الإسلام، تجر البلاء على كل من يذهب إلى بلد غربي، وقبل نحو عامين كنت في طائرة صغيرة متجهة من أمستردام إلى هامبورغ، عندما ترنحت وارتجت فجأة، فصحت مرعوباً: الله أكبر، يا لطيف يا الله، مما جعلني هدفا لنظرات خائفة، فقد حسبوني جعفر بن لادن، فهم يعتقدون أن لنا إلهاً غير إلههم، وأن «الله أكبر» صيحة جهادية وفي رواية أخرى مقدمة لعمل إرهابي.
طيب، ما العمل كي أتفادى الاعتقال في مطار هامبورغ، بتهمة «لابسة»، ومن الوارد أن ينتهي بي الأمر في فندق غوانتنامو البدون نجوم، والذي تشوف فيه النجوم في عز نهار صيفي، لأن عشرين شخصا على الأقل سيشهدون بأنني قلت «الله أكبر»؟ ولم أجد حيلة سوى تمثيل دور من يهذي خوفا، ويبدو أنني أتقنت ذلك الدور، فقد جاءت المضيفة لتطمئنني بأنه مطب هوائي ليس إلا، وفي مطار هامبورغ أوقفنا أربعة مصارعين، ومعهم امرأة تشبه فاروق الفيشاوي، وفلفلوا حقائبنا، وهم يسألوننا أسئلة سخيفة واستفزازية، فمثلا، أمسك أحدهم بكاميرا تخصني وسألني: فات إز زس؟ قلت له إنها شيء مصنوع في اليابان ومن حقه تفكيكه لمعرفة مزاياه وما إذا كان يحوي شيئا ممنوعا! ونفس السؤال عن كمبيوتر اللابتوب، ثم عثر في حقيبة يد زوجتي على مصحف صغير وأقسمت في سري أنه لو سألني عنه سأقول له: هات خبير متفجرات ليرد على تساؤلك، ولكنه اكتفى بتوجيه نظرة شك وريبة نحوها ولسان حاله يقول: هذه هي بنت لادن، والعربيقي المسكين الذي معها من الخلايا النائمة
والشعوب الغربية عموما تعتبر كل شخص اسود مجرما او «مشروع مجرم»، وفي الأعوام الأخيرة صار المسلمون الذين يعيشون في الغرب موضع شبهات، وبمعايير الغرب فقد اجتمعت تشكيلة من المواصفات غير المرغوب فيها في شخصي: إفريقي بسمرة «تلعلع»، وعربي، وفوق هذا كله مسلم؟ ولكن يا ما عانى كثير من الخواجات خلال التعامل معي، لأنني لا أحس بالدونية وأنا معهم، فقد زاملت منهم العشرات لسنوات، واكتشفت أن معظمهم سطحيون وجهلة، ولكن العتب علينا نحن الذين ما زلنا نرى أن بياض البشرة في حد ذاته مؤهل رفيع، فنأتي بصعاليك أوربا وأمريكا ونضفي على كل منهم لقب «خبير»، ونتعامل مع قراراته وكأنها «مُنزّلة لا يأتيها الباطل من قُبل أو دُبر».
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]