جعفر عباس

عربيقي ومسلم؟ كان الله في عونك (2)


[JUSTIFY]
عربيقي ومسلم؟ كان الله في عونك (2)

الخواجات أو الجنس الذي يسمي نفسه «أبيض»، يسيء الظن بكل ذي بشرة داكنة، بل إن كونه يتسمى الأبيض في حد ذاته دليل استعلاء، فلا يوجد كائن بشري لونه أبيض ما لم يكن مصابا بمرض ناجم عن خلل في وظائف الصبغة اللونية أو نقص في فيتامين «د»، ولكن لأن البياض اقترن بالخير ونقاء السريرة والفأل الحسن فقد اختاروه لأنفسهم، وقسموا بقية خلق الله إلى سود، ثم أسموا أجناسا في شرق آسيا بـ«الصُّفر»، مع أنه لا يوجد آدمي أصفر ما لم يكن يعاني من اليرقان وهو عرض لمرض يصيب الكبد، فقد أطلقوه على القوم الذين يتعذر وصفهم بالسواد، وقلت بالأمس إن الخواجات يعتبرون بقية الشعوب متخلفة مهما ارتفعت نسبة التعليم فيها، حتى إن بعضنا صدق ذلك، وما من مؤسسة أو شركة في بلداننا إلا وفيها حفنة من الخواجات يحملون مسميات من شاكلة «خبير/ استشاري»، يصدقون «حالهم»، ويستخدمون خبراتهم المزعومة لـ«يجيبوا خبر» الجهات التي يعملون بها.
أذكر أن السفارة الأمريكية في الخرطوم أبلغتنا ذات مرة أنها استقدمت خبيرا ليقدم لنا محاضرات فنية في التلفزيون السوداني، وجلسنا ومعنا أساطين الإنتاج والإخراج التلفزيوني من السودانيين الذين تدربوا في تلك المجالات في ألمانيا وهولندا وبريطانيا، مع الأخذ في الاعتبار أن السودان والعراق هما أول دولتين عربيتين أنشأتا محطات تلفزة في مطلع الستينيات. ووقف الخبير الأمريكي أمامنا وطفق يقول كلاما من النوع الذي نسميه في السودان «خارِم بارم»، أي غير مترابط وبلا معنى، ويخاطبنا وكأننا لم نسمع بالتلفزيون، فرفعت يدي طالبا الإذن لأتكلّم، فقال لي بكل تهذيب: سأتلقى الأسئلة بعد أن أفرغ من المحاضرة.. ووجدت نفسي أقول له ما معناه: أي محاضرة وأي بطيخ؟ هل تحسب أننا ندير محطة تلفزيون منذ أكثر من 25 عاما ونحن لا نعرف ألف باء العمل التلفزيوني؟ تعال اجلس بيننا واختر أي واحد من الجالسين أمامك الآن ليحدثك عن آخر أفانين العمل التلفزيوني، لأنه من الواضح أنه لا علاقة لك بهذا المجال، والتفتُّ إلى زملائي وقلت لهم: هل تتفقون معي في ما قلته؟ قالوا: جداً… والسودانيون يستخدمون هذه المفردة كتعبير مكثف للاتفاق والقبول والطمأنة: أحوالك طيبة؟ جداً.. ما رأيك في أن نزور عبدالرحيم في المستشفى؟ جداً.. أنت متمسك برأيك وموقفك؟ جداً… ولما وافقني زملائي الرأي «جداً» اقترحت عليهم ان نترك القاعة، وخرجنا وصاحبنا لا يصدق أن «سودانيين» يستخفون بأمريكي.
ولكن ليس كل الخواجات سطحيين، ولا كل السود مبرئين من الإجرام، فلولا ان الخواجات يفكرون ويخترعون ويبدعون لظللنا في عصر البخار، نلطم الخدود على حمامات البخار في الأندلس، وما من شك في ان معدلات الجريمة بين سود بريطانيا والولايات المتحدة عالية، ولكن المؤكد أيضا أن معدلات البطالة بينهم عالية بسبب التمييز ضدهم في الفرص التعليمية والوظيفية، والفقر من أكبر الدوافع للجريمة، وما من فتاة ثرية تهاجر من دول البلطيق إلى أوربا الغربية لممارسة الدعارة، وفي دولة مثل مولدوفا يلجأ «الشرفاء» إلى بيع الكلى لضمان قوت العائلة لعام واحد.. وأحسب أنني أعرف جيدا أحوال السود في جنوب لندن، فقد كنت في السبعينيات أتجول فيها بحرية في أي ساعة من اليوم، ولكن سواد بشرتي لن يعصمني اليوم من اعتداء من قبل شخص أسود يدمن الخمر أو المخدرات ليسلبني محفظة نقودي وهاتفي ونظارتي الطبية، أما إذا افترستني عصابة بيضاء وعرفت أني مسلم، فإنها قد تفعل بي شيئا يحث الناس على ذكر محاسني.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]