مصطفى أبو العزائم

مشكلتنا في النسيان!


[JUSTIFY]
مشكلتنا في النسيان!

من المفترض أن تكون المفاوضات بين وفدي الحكومة، والحركة الشعبية قطاع الشمال قد بدأت في العاصمة الأثيوبية «أديس أبابا» يوم أمس، وهي مفاوضات اجترار المواقف القديمة والتي لا نتوقع لها تقدماً بعد تجارب طويلة.. ومريرة في التفاوض.. ويبدو لنا جلياً أن مفاوضي الحركة الشعبية قطاع الشمال لا يريدون نتائج إيجابية مهما كان حجم تنازلات الوفد الحكومي، فقط يريدون زعزعة أوضاع النظام ثم يحققون هدفهم الذهبي بعد ذلك في الانفصال بالمنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق» لإلحاقهما بدولة جنوب السودان التي أخذت تعاني الأمرين نتيجة الحرب شبه الأهلية التي تدور على أراضيها بين قوات الرئيس سلفاكير، وقوات نائبه السابق أريك مشار.

المشكلة الأولى في التفاوض أن الذين يقودون وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال ليسوا أكثر من عبثيين، لا يشعر المراقبون بجديتهم في التفاوض أو الحوار.. أما المشكلة الثانية وهذه مشكلتنا هنا في السودان، أننا نسينا أو كدنا ننسى أن الثمار المرة التي نضجت الآن هي غرس قديم غرسته الإدارة البريطانية التي كانت تحكم السودان باسم الحكم الثنائي منذ إسقاطها للدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين.

نعم.. نحن ننسى أن السلطات البريطانية من خلال سياساتها المعلنة والخفية سعت إلى فصل جنوب السودان عن شماله، وحاولت أن تتصدى للمد الإسلامي من خلال الحملات التبشيرية والتنصيرية، وأصدرت في سبيل ذلك قانون المناطق المقفولة عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين «1922» الذي اعتبرت بمقتضاه المديريات الجنوبية الثلاث «أعالي النيل وبحر الغزال، والاستوائية» مناطق مقفولة لا يجوز الدخول إليها من قبل أبناء الشمال إلا بتأشيرة خاصة من السكرتير الإداري، أو مدير المديرية المختص، لكن قانون المناطق المقفولة لم يكن قاصراً على تلك المديريات الثلاث، ولأننا ننسى فإن أحداً منا لم يعد يذكر أن ذلك القانون «البغيض» ضم إلى جانب المديريات الجنوبية بعض المناطق في مديريات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق «الأنقسنا».

وقد ظل ذلك الوضع قائماً حتى العام «1947» الذي طالب فيه الجنوبيون بنظام حكم فيدرالي لكل السودان، مع الاعتراف بالوضع المتخلف لأهل الجنوب، وعندما جاء العام «1953م» الذي مُنح فيه السودانيون حق تقرير المصير بالانتخابات، لم تكن هناك أية مشاركة أو أي دور لأبناء الجنوب فيه.

خلال فترة حكم الفريق إبراهيم عبود ـ رحمه الله ـ جرت اتصالات لتشكيل جبهة عريضة تضم الجنوبيين وأبناء وقبائل جبال النوبة ودارفور والأنقسنا، والبجة، لينعقد بعد ذلك مؤتمر المائدة المستديرة في العام «1964م» ولم يتم التوصل فيه لأية اتفاقات لحل الأزمة المتمكنة من الجسد السوداني الواحد بعد أن زادت تقرحاته، وقاطعت ذلك المؤتمر كل القوى المؤثرة ـ خارجياً ـ من قيادات الكنيسة الكاثولوكية في جنوب السودان.. والتي رعاها الغرب لترعى بدورها فيما بعد حركة التمرد الثانية «الأنانيا» بقيادة جوزيف لاقو.

مشكلتنا الكبرى أننا ننسى، ويعتقد الكثيرون منا، أن مستقبل السودان يبدأ من هذه اللحظة الحاضرة، وما هي في حقيقة الأمر إلا لحظة عابرة.. وننسى أن مستقبل السودان «المرسوم» بدأ التخطيط له منذ العام «1922م» بقانون المناطق المقفولة.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]