جعفر عباس

العالي الهابط والآخر «الأهبط»


[JUSTIFY]
العالي الهابط والآخر «الأهبط»

(1)
استعانت صحيفة تايمز اللندنية، بألف وثلاثمائة أكاديمي من 88 دولة لوضع قائمة بأفضل مائة جامعة في مجال تدريس العلوم الطبيعية والتطبيقية، وجاءت جامعة كيمبريدج البريطانية على رأس القائمة، ولكن الجامعات الأمريكية احتلت 25% من القائمة، التي ضمت جامعتين إسرائيليتين، (وبالمناسبة فإن عدد من حصلوا على جائزة نوبل في مختلف المجالات منذ إنشائها حتى اليوم يبلغ 850 شخصا ويشكل اليهود 20% منهم بينما يشكل يهود العالم أجمع 0,02% من إجمالي سكان العالم، والشاهد هو أن اليهود لم يتفوقوا علينا بالصدفة أو بسبب الدعم الأمريكي بل بالاهتمام بالعلوم والمعارف والبحوث والدراسات التي لا تنمية بشرية او اقتصادية او عسكرية بدونها)

وتقاسمت مواقع مختلفة في القائمة جامعات فرنسية وكندية وألمانية واسترالية وروسية وكورية، وحتى بلدا صغيرا مثل نيوزيلندا ليس فيه أكثر من خمس جامعات وجد مكانا في القائمة، وقطعاً كانت القائمة طويلة قبل إجراء التصفيات، وبالتأكيد وحتما لم تكن هناك جامعة عربية واحدة بين أفضل ألفي جامعة في العالم في مجال العلوم.. بل لا أعتقد ان هناك جامعة عربية تقترب من مكانة «سواس»، وهي كلية الدارسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، في مجال الدراسات «العربية/ الشرق أوسطية»، والسبب في ذلك هو ان الجامعات عندنا ليس أكثر من مدارس ثانوية «عليا»، يبدأ النشاط فيها وينتهي بجرس رنينه غير مسموع، وتنتهي علاقة الطالب بالجامعة بانتهاء المحاضرة «الأخيرة»، وحتى المحاضرات مجرد حشو للعقول، والطالب الذي تفوته محاضرة لا «يحمل هم» فالاستاذ بارك الله فيه إما يوزع محاضرته مطبوعة بلا مقابل أو يعرضها في السوق بالشيء الفلاني، ويا ويل من يضبط متسكعا في أروقة الجامعة بعد نهاية «الدوام»، فالحرس/ الأمن الجامعي بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التسلل إلى المكتبة في الأمسيات أو خلال العطل العامة، فالتواجد في مبنى الجامعة بعد انتهاء المحاضرات يعتبر نشاطا هدّاما، ما لم يكن ذلك التواجد في ملعب كرة القدم التي تحظى بدعم حكومي مهول رغم أن نتائج فرقنا الكروية في المنافسات الخارجية تجعل الرضيع يصرخ: يا للهول.
وما اسمعه عن كليات البنات في الجامعات العربية يعطيني الانطباع بأنها تدار على أنها إصلاحيات ودور رعاية للجانحات: قيام.. جلوس.. ممنوع الدخول.. تريدين الذهاب إلى العيادة؟ لا يجوز أن تمرضي دون علم ولي أمرك!! لماذا وصلت في الصباح الباكر قبل بدء المحاضرات بثلاث أرباع الساعة؟ يا ويلك إذا دخلت قاعة محاضرات أو المكتبة!! فالجامعة عندنا هي ان يجلس الطالب او الطالبة في أدب لالتقاط الدرر التي ينثرها الأستاذ، دون ان يكون مطالبا حتى بحسن الإصغاء! ولا داعي للتعب ووجع الرأس فكلام الأستاذ سيصدر في مذكرات توزع عبر عشرات المكتبات، التي تتولى أيضا (مشكورة) إعداد «البحوث» نيابة عن الطلاب نظير مبلغ معلوم!
قبل ثلاثين سنة فقط كانت كلية الطب في جامعة الخرطوم، مصنفة من قبل هيئة الصحة العالمية ضمن أفضل خمسين كلية طب في العالم، وكان من حسن حظي ان تلقيت تعليمي في تلك الجامعة التي لم تكن الحركة تهدأ في أروقتها إلا في نحو الثالثة فجرا. أما اليوم فقد أصبحت تلك الجامعة مثل نظيراتها في البؤس في العالم العربي: الدرس انتهى لموا الكراريس وكل حي يروح لحاله، وتطفأ الأنوار وتغلق الأبواب التي يحرسها شبيحة من النوع الذي تراه في «درعا وحلب» أو نساء عابسات، وكل شيء ممنوع بعد نهاية اليوم الدراسي إلا بتصريح يحمل تواقيع وزراء الدفاع والطاقة والزراعة ومدير الجمارك.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]