عبد اللطيف البوني

سخانة في مياه النيل


[ALIGN=CENTER]سخانة في مياه النيل[/ALIGN] تعودنا ان نقف كل عام عند أم الثورات في العالم الثالث عندما تحل ذكراها في الثالث والعشرين من يوليو ليس من أجل اجترار الماضي والبكاء على الاطلال بل من أجل امعان النظر في واقعنا، فعبد الناصر سيظل رجل القرن العشرين عربياً واسلامياً وافريقياً وعالمثالثياً، فقد كان كما وصفه الشاعر العراقي الكبير الجواهري (عظيم المجد عظيم الخطأ) ويكفي ان خصومه من اخوان مسلمين وشيوعين في مصر اخذوا يعترفون الآن انهم اخطأوا في معاداة رجل وطني مخلص وانهم لو استقبلوا من امرهم ما استدبروا لكان لهم موقف آخر!
لندع تخليص مصر من اقطاع الباشوات و(شومات) الفتوات وعنجهية الاجانب و(مرمطة) الوطنيين، ولندع تأميم القنال ولندع اشاعة التعليم وبعث الطبقة الوسطى ونقف عند السد العالي، فها هو وزير الري المصري محمد نصر الدين غلام يقول لـ«الاهرام» ان مصر لديها الآن من المياه ما يكفيها عدة سنوات حتى ولو لم تدخل بحيرة السد العالي نقطة ماء واحدة اضافية (برضو تقول لي عبد الناصر ما كويس).
مناسبة كلام وزير الري المصري انه في هذه الايام الكلام عن مياه النيل احتل واجهة الاخبار، فبالامس انتهى اجتماع دول حوض النيل العشر على مستوى الخبراء ومعهم مندوبو البنك الدولي وثلاثة عشر من المانحين للمشروعات على النيل بالاسكندرية، وفي نفس الوقت بدأ الاجتماع الوزاري الذي وضعت أمامه أجندة كفيلة بأن تجعل نذر الازمات تتجمع في سماء دول حوض النيل العشر ولكن بدرجة متفاوتة.
باستثناء مصر والسودان بقية دول الحوض الثمانية تقول انها ليست طرفاً في الاتفاقيات التي تم بموجبها اقتسام مياه النهر من قبل ولعل أشهرها اتفاقية 1902م عندما كانت بريطانيا صاحبة اليد الطولى في الحوض واتفاقية 1959م بين مصر والسودان التي بموجبها تم تخصيص «55» مليار متر مكعب من ايرادت النيل لمصر و«22» ملياراً للسودان طيب ما الجديد؟ الجديد ان دول الحوض الاخرى تقول انها تريد اقامة مشاريع جديدة لرفع نسبة فائدتها من مياه النيل وتريد انشاء مفوضية دائمة لمياه النيل وتريد اتفاقاً اطارياً جديداً، مصر والسودان يقولان انهما لا يمانعان من كل هذه المطالب ولكن بشرط ان لايؤثر ذلك على حقوقهما التاريخية المكتسبة. بعبارة اخرى يقولان (اعملوا اي حاجة بس ما تهبشو ملياراتنا) اثيوبيا تقول انه من غير المعقول ان ينبع النيل من امطاري (اثيوبيا ترفد النيل بخمسة وثمانين في المائة من ايرادته) واستجدى من اجل اقامة خزانات للري والكهرباء.
رغم ان مصر هي المستفيد الاول من النيل الا انها تعانى عجزاً متزايداً في المياه العذبة، فهي الآن تحتاج الى «22» مليار متر كي تكون في مستوى المعدل العالمي. السودان لم يزل حتى الآن عاجزاً عن استهلاك كل الكوتة الممنوحة له ومازال عاجزاً عن استهلاك مياه امطاره (خارج الحسبة) الا ان مصر والسودان وجدا نفسيهما في (سرج واحد) لانهما دولتي ممر في مواجهة دول المنبع. الجديد في الامر ان اسرائيل ظهرت في مسرح النيل فقد اغرت دول المنبع بشراء الماء العذب منها كما ستفعل مع تركيا في شراء مياه الفرات. برلمانات كينيا ويوغندا وتنزانيا (سلت ضنبها) وهناك برلمان رابع خطير قادم. مصر كانت ترى ان تدار المعركة بعيداً عن اجهزة الاعلام واحتوائها (ام غمتي) ولكن (العيار فلت) فاتجهوا بابصاركم صوب الاسكندرية اليوم وغداً.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
بتاريخ28/7/2009)
aalbony@yahoo.com