مصطفى أبو العزائم

أسرار وراء الأسوار..!


[JUSTIFY]
أسرار وراء الأسوار..!

عرضت قناة الشروق الفضائية صباح أمس فيلماً تلفزيونياً أو دراما سودانية، حول رجل أخرس ظل صامتاً لمدة تجاوزت الخمسة عشر عاماً، لم يعرف عنه أهل القرية التي وفد إليها، واحتمى بمسيدها وخلوتها أنه نطق كلمة واحدة، بل تعاملوا معه على أنه معتوه، ينظر لكنه لا يبصر، ويسمع وكأنه لا يعي، كان باختصار درويشاً مقطوع اللسان، وأطلقوا عليه اسم «السر».

شاهدت جانباً كبيراً من هذا العمل ضمن متابعتنا للإنتاج الدرامي السوداني الآخذ في التطور كماً وكيفاً منذ فترة طويلة، رغم الكلفة العالية لمثل هذا الإنتاج، الذي لن يجد قطعاً رعاية تقلل من أعباء إنتاجه المادية مثل تلك التي تجدها برامج المسابقات أو البرامج الغنائية.

نعود لأمر تلك الدراما التي أدى أبطالها والذين قاموا بتمثيل شخصياتها أدوارهم باقتدار عالٍ، وتقمص يوشك أن يجعل المتفرج على العمل أو الذي يتابعه، يوشك أن يجعله يوقن بأن الذي يحدث أمامه حقيقة، وليس تمثيلاً، بدءاً من دور «السر» مروراً بدور «عمدة الحلة» ثم شيخ المسيد، انتهاء بأعيان وعامة الحلة، وأناسها الذين يعيشون على الهامش من الرجال والنساء.

ما يلفت النظر، بل ما يشد الانتباه في ذلك العمل الدرامي، هو الفلسفة التي انطلقت منها الفكرة، والمتمثلة في أن الأخرس تكلم.. وقال كلمات زلزلت كيان الناس، وضعضعت ثبات الحلة، فقد نطق، وقال إنه يعرف.. يعرف.. وعندما سأله شيخ المسيد ماذا يعرف (؟) قال إنه يعرف السر..

انقلبت أحوال الناس فلكل من أهل القرية سره الخاص، سره الذي يحرص على ألاّ يطلع عليه أحد، لذلك أبقى الشيخ ذلك الناطق إلى جواره في المسيد، وأصبح الرجل متابعاً من قبل الذين كانوا يتحدثون أمامه دون خشية، أو يتصرفون أمامه كأنه غير موجود، ظهر اللصوص والجناة والزناة، وأصحاب الضمائر والفضائح الميتة، وبدأت المطاردات لإسكات الصوت الجديد، الذي يعرف صاحبه كل شيء، لكنه لم يكن يتكلم، وحاول البعض اغتياله حتى يدفن معه السر، ويضمن قاتله أن الجميع سيقع في دائرة الاتهام، وأن كل أهل القرية يستفيدون من اختفاء «السر» الإنسان، والسر الخاص الذي يقض مضجع كل واحد منهم.

الفكرة جميلة.. الأداء التمثيلي فوق درجة الإقناع بينما الرؤية الإخراجية كانت واضحة وبسيطة ومعّبرة غير تأثيرها على كامل المشهد البصري للمتفرج.

تحية للدراما السودانية وهي تتقدم إلى الأمام، والتحية لكوادرنا الدرامية من كُتّاب قصة وسيناريو، وممثلين وفنيين ومخرجين.. والتحية لمؤسسات الإنتاج وللفضائيات التي ترعى هذا العمل الكبير.

٭ اليوم صيام عن السياسة، وامتناع عن التعليق على مسار التفاوض.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]