حيدر المكاشفي

رسالة مستعادة لبنت الفقيدة نادية في ذكراها الأولى

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] رسالة مستعادة لبنت الفقيدة نادية في ذكراها الأولى [/B][/CENTER]

من لم يكن يعرف أمك يا ايمان من قبل فهاهو الآن قد عرفها، ومن لم يكن يدرك قدرها ومكانتها الآن قد أدرك قدرها وما تبوأته من مكانة، ومن لم يكُ يتصور أنها تتمتع بكل هذا الحب الكبير والتقدير العظيم، فقد شهد لها الآن بأنها محبوبة وأنها من الموطئين أكنافاً الذين يألفون ويُؤلفون، ذلك أن كل من لم تسعده الظروف من قبل للتعرف على الصحفية والمذيعة والشاعرة نادية عثمان مختار، قد عرفها وعرف فيها وعنها كل هذه الخصال الحميدة والطبع الودود والوجه البشوش والبساطة والابتسامة غير المتكلفة، بعد هنيهات من اذاعة نبأ رحيلها الفاجع والمفاجئ في حادث الحركة الذي خطفها في لمحة بصر، فقد عرفها من لم يكُ يعرفها أو ما كان على صلة بها بعد أن سارعت إلى نعيها والبكاء على فقدها الاذاعات والتلفزيونات والصحف والأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي، ليكشف ذلك عن مدى الحب والاحترام الذي تتمتع به وعن حجم شبكة العلاقات الواسعة التي بنتها بالصدق والوفاء والروح الوثابة المتطلعة دوماً لكسب المزيد من الأصدقاء والمعارف والمزيد من المعرفة والخبرة، فقد كان يوم رحيلها يوم استفتاء على شخصها، اجتازته بامتياز حين بكاها ونعاها هذا الكم الهائل من البشر وعبر مختلف الوسائل والوسائط، فألسنة الخلق أقلام الحق، ومن ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً فلا شك أنه من الخيِّرين أهل الخير، إذ لا يمكن أن يجتمع كل هذا الحشد الحاشد الذي شهد لنادية بالصدق والاخلاص والوفاء والدواخل النقية والروح الحلوة والنفس الممراحة ليشهد بما ليس فيها.

الآن يا إيمان قد مضت والدتك نادية إلى رحاب رب غفور رحيم نسأله لها الرحمة ولانقول إلا ما يرضيه، ومن قبلها مضى والدك محمد، ولكن رغم هذين الفقدين العظيمين لن تكوني يتيمة، وكيف لمن ورث كل هذا البهاء والاشراق والطموح وهذه السيرة الضافية بالبذل والعطاء والكدح والاجتهاد والعصامية، أن يكون يتيماً، بقدر ما أنه سيكون مهموماً بهذه التركة الكبيرة والحمل الثقيل وهذه السيرة الوضيئة، كيف يمكنه ليس الحفاظ على هذا الإرث فقط، بل كيف يمكنه أن يمضي به إلى الأمام، إنك يا إيمان لست في حاجة للاستغراق في الأحزان والانعزال واجترار الذكريات، وإنما في حاجة أكبر لتجاوز حالة الحزن بأسرع وأعجل ما يمكن، لأن مشروع نادية في الحياة لم يكتمل ولا بد له بمن يأخذه بحقه ويواصل المسيرة، وليس هناك من هو أقرب إليها منك ولا من هو أحق به منك، ولو أنك تركت للحزن المجال فإنه سيولد من نفسه دفقاً ذاتياً لن يتوقف، بل سيتوقف نتيجة لذلك كل حلم جميل أو فكرة مبدعة أو عمل خلاق كانت تخطط لانجازه ولكن لم يسعفها العمر القصير، ولذلك ومن أجل الوفاء لروح والدتك أرجوك لا تغرقي في الأحزان، نعم من حقك أن تحزني وتجزعي ولكن بمقدار وإلى حين، فالذي ينتظرك كبير وكثير ويحتاج إلى جلد ومصابرة ومثابرة، فاصبري وثابري وتجلدي وأنظري للأمام، ولا نقول لك كوني نسخة من المرحومة والدتك، بل انطلقي من حيث انتهت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وتقبلي حار تعازينا.
[/JUSTIFY][/SIZE]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي