عبد اللطيف البوني

مكتبة لم تحترق وجامعة


[JUSTIFY]
مكتبة لم تحترق وجامعة

الرئيس الفيلسوف الشاعر ليوبولد سيدار سنغور رئيس جمهورية السنغال السابق قال كلما أسمع بموت شيخ إفريقي أيقن بأن هناك مكتبة قد احترقت وهنا سنغور يشير إلى الشفاهة التي تعتمد عليها الثقافة الإفريقية التقليدية في انتقالها من جيل لجيل ليت الأمر توقف على الشيوخ التقليديين في إفريقيا يا سنغور فحتى الجيل الذي تعلم في معاهد التعليم الغربي تعود أن يغادر الدنيا دون أن يترك أثراً مكتوباً أو جهداً مجسداً لانجازاته ولكننا اليوم إما شيخ مختلف غادر دنيانا قبل بضعة أيام وترك خلفه إنجازًا باهرًا سوف تنهل منه الأجيال القادمة وإلى أبد الدهر إن شاء الله ذلكم هو الأستاذ محمود صالح عثمان صالح (1939 -2014) جده عثمان صالح من بناة الاقتصاد السوداني الحديث وعلى يده وجيله تمت النقلة الكبرى في تاريخ البلاد من الاقتصاد المعيشي إلى الاقتصاد النقدي وهو من الذين فتحوا الأسواق العالمية للصادرات السودانية وفتح الأسواق السودانية لتستقبل ما أنتجه العالم حولنا ولكن النميري في لحظة طيش أيديولوجي قام بتأميم أعمال عثمان صالح وآخرين فنقل نشاطه للخارج ولعل هذا هو السبب الذي جعل فقيدنا محمود يمضي الشطر الأكبر من حياته خارج البلاد حيث تخرج في جامعة برستول البريطانية اقتصاد وعلوم سياسية ولكنه ظل يحمل بلاده في دواخله وأبرها بإسهام معرفي في مجال التاريخ والثقافة والإبداع لا يتأتي لفرد عادي حتى ولو قامت به مؤسسة سيكون إعجازاً.
محمود حصر نشاطه في جمع كل ما كتب عن السودان بغير اللغة العربية وقبل الاستقلال واهتم بصورة خاصة بما كتب في الفترة الاستعمارية مستفيداً من وجوده في بريطانيا فقام بجمع خمسة آلاف وثيقة تم تصينفها وترجمتها ووضعها في اثني عشر مجلداً تغطي الفترة (1940 -1956) ثم ترجم الكتب المرجعية التي اختطاها أساطين الإدارة في الفترة الاستعمارية كتاب السودان لماك مايكل مذكرات السير دوقلاس نيوبولد ثم جمع أكثر من ألفي كتاب وكان يضرب أكباد الطائرات والسيارات من أجل كتاب وفيها كتب رحالة يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر (الرحالة الفرنسي بوسنيه 1709) بالإضافة إلى ثلاثمائة لوحة تاريخية حاول وضعها في مكان مناسب في السودان ولكنه لم يجد الاستجابة فتم وضع ألفي كتاب من مجموعة محمود وبلغات مختلفة في جامعة بيرقن بالنرويج لكي يستفيد منها الدارسون وتوضع على الانترنيت ثم تحول للسودان بعد خمس سنوات.
أما في الداخل فيكفي مركز عبد الكريم ميرغني الذي أنشأه محمود خدمة للثقافة والعلم والإبداع وتخليدًا لذكرى صديقه عبد الكريم ميرغني ووضعت في المركز جل الوثائق المشار إليها أعلاه وفي فترة وجيزة أصبح المركز قبلة للدارسين في الشأن السوداني أما إصدارات المركز للكتاب السودانيين في فترة قليلة من عمر الزمان أصبحت تملأ أرفف المكتبات وتم تخليد صديق عمره الطيب صالح بجائزة تنافسية للقصة القصيرة وتمارس في المركز كافة ضروب الإبداع وتقام فيه الليالي الثقافية التي تنقلها الوسائط الإعلامية لكل أهل السودان. إن أعمال محمود صالح تلقى على معارفه وعارفي وفضله وكل أهل السودان مهمة جسيمة وهي تخليد اسمه بمؤسسة تليق بإنجازاته وعظيم أعماله لرد جميله فقد أنفق المال والوقت من أجل خدمة المعرفة وحفظ تاريخ البلاد وخلد أسماء أصدقائه فلا أقل من جامعة مجتمعية وليست خاصة أو حكومية تحمل اسمه أو أي مؤسسة لخدمة المعرفة باسمه. رحمه الله رحمة واسعة ووسع مرقده وأثابه عن شعبه وأمته خير الثواب.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]