غلطان المرحوم

[B][ALIGN=CENTER][SIZE=4][COLOR=darkblue]غلطان المرحوم ![/COLOR][/SIZE][/ALIGN][/B] عندما أصابت (دفع الله) إغماءة فجائية، جندلته من فوق كرسيه أمام دكانه بشارع الشنقيطي، تعاون على حمله جيرانه من أصحاب الدكاكين المجاورة وانطلقوا به إلى أقرب مستشفى حكومي في تلك المنطقة، ولكن قبل أن تتجاوز الأمجاد بهم بوابة المستشفى، حانت من (دفع الله) صحوة نتيجة فجة مؤقتة من غُمّة المرض، فرفع رأسه ليرى أين هو، وعندها سقط بصره على لافتة المستشفى التي كانوا يمرون من تحتها في تلك اللحظة، فإنتفض جالسا من فوره وقد نسى البيهو في ثواني، وصاح وهو يشيح بيده في هستريا:
(….) لا، (….) لا، كلو إلا (….) !
انتفاضة (دفع الله) الهستيرية كانت نتيجة السمعة السيئة لمستشفى (…)، التي جعلت المكتوين بنار التداوي فيها، على قناعة تامة بأن كل من يدخلها على قدميه أو حتى على ظهره، فسوف يخرج منها محمولا على (أب أربعة) الى مثواه الأخير، وذلك لأن الداخل إليها مفقود، والخارج منها – صا غ سليم – مولود و(انكتب ليهو عمر جديد) !!
تلك السمعة الناصحة نصوع بياض الكفن أو فالنكن أكثر تفاؤلا ونقول زي (البرلنت)، جاءت نتيجة طول مثابرة وحرص شديد من العاملين في هذا المستشفى على الإلتزام التام بتحقيق الربط السنوي المقدر لعدد الوفيات الناتجة من الأخطاء الطبية والإهمال !!
حدثني مصدر موثوق به من أقربائي، أنهم قد حملوا إلى نفس المستشفى شقيقهم الشاب، بسبب مضاعفات نتجت من اصابته بداء السكّري دون أن يكتشف حتى أرتفعت معدلاته في الدم بصورة كبيرة .. تم ادخال الشاب للمستشفى لتنظيم السكر وذلك بحقنه بـ (الإنسولين) ضمن وصفة طبية محددة، ولكن ما حدث أن معدل السكر في دم الشاب ظل يواصل أرتفاعه يوميا، بالإضافة لتدهور وضعه الصحي، وإهله من حوله في حيرة من أمرهم، إلى أن تبرع أحد الأطباء في لحظة (تجلي ذمّة) للهمس في أذن قريبي:
أقول ليك حاجة يا زول ؟ الإنسولين بتاعنا ده (ضارب) .. أخير ليكم تتخارجوا بـ أخوكم من هنا قبّال يروح فيها !
فما كان منهم إلا أن أحضروا عربة، حملوا بها شقيقهم على وجه السرعة لأحد المستوصفات الخاصة .. والغريبة أنه لم يعترض أحد سبيل خروجهم بالمريض بدون اذن (تخريج) ولا يحزنون .. هم (ناس المستشفى) ديل قادرين يلاحقوا على وفود عباد الله المستضعفين من المرضانيين، لمن يعترضوا سبيل الخارجين من نعيمها المقيم ؟!!
تعرّف الأخطاء الطبية علميا، بأنها عبارة عن أخطاء يتم إرتكابها في المجال الطبي، أما نتيجة إنعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطبيب الممارس، أو نتيجة استخدام طريقة حديثة أوتجريبية في العلاج، أو نتيجة حالة طارئة تتطلبت التعامل معها بالسرعة على حساب الدقة، أو نتيجة طبيعة العلاج المعقد ..
من يحظى بمتابعة مسلسل (غريس أناتومي) الشيّق، يستمتع بالمهنية والكفاءة والخبرة العالية التي يتعامل بها أطباء ذلك المستشفى، ورغم ذلك لديهم لقب طريف يمنحونه لكل طبيب جديد ينضم إليهم، في أول مرة يقوم فيها بقتل مريضه عن طريق الخطأ .. يداعبونه بـ:
لقد حصلت على الـ (LTK) !
وهي إختصار لجملة (license to kill) وترجمتها (رخصة لممارسة القتل) !!
فحتى لا نتهم بشيل حس أطبائنا نقر بأن ممارسة الأخطاء الطبية بجدارة، ليست بموهبة حصرية على أطباء السودان، فنسبة حالات الوفاة نتيجة خطأ طبي تصل لمعدلات عالية في معظم انحاء العالم، بما فيها الدول المتقدمة، فـ لو أخذنا أمريكيا موطن أطباء غريس أناتومي – كضرب مثل، نجد أن حالات الموت الناتجة من اخطاء طبية تقدّر بحوالي مئة ألف حالة وفاة سنويا .. الكتلة !!
لكن نرجع نقول عشان ما نفرح شديد لو أجرينا مقارنة بين عدد سكان أمريكيا وعدد المنقرضين سنويا فيها نتيجة الأخطاء الطبية، لوجدناه لا يساوي سوى نسبة بسيطة جدا لا يؤبه لها (يؤبه دي فضيعة .. عجبتني)، بالمقارنة مع عدد المتوفين عندنا نتيجة (العنطزة) و(الإستهتار) و(الإهمال) والشغل العدي من وشك البدون ذمّة وعدم مواكبة الجديد في عالم الطب !
لكانت النسبة (النص بالنص) فـ بين كل عشرة مواطنيين بيموتوا كمد داخل المستشفيات، نجد أن خمسة منهم راحوا شمارة في مرقة الأخطاء، أما لو أضفنا لتلك النسبة عدد البموتوا نتيجة لاستعمال الأدوية المنتهية الصلاحية والغير صالحة للإستخدام الآدمي، وحبذا لو شملنا معهم عدد المتوفين نتيجة الفحوصات الطبية المطبوخة والفشوش ونتيجة اللخبطة في أسماء المرضى طالبي الفحوصات .. يبقى أحلق شنبي لو ما طلعت مليون في المية !
ياما في الجراب يا حاوي .. فمن واقع قربي من الوسط الطبي وابتلاءات التعامل معه وضمنه، أحمل في بيت الكلاوي الكثير المثير الخطر .. ممكن نواصل في تقليب مواجعو وممكن لا ! علي كيفكم انتوا !

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version