المضطر يركب الحوار..(حذاري من التيتل)
في شأن ركوب المصاعب وارتياد المجاهل اضطرارا تقول مقولة تراثية شائعة ( المضطر يركب الصعب)، وبالأمس في ندوة مشهودة بدار المحامين حول التعديلات الدستورية، قال شيخ الترابي فيما قال أنه انخرط في الحوار الذي دعا له الرئيس في فاتحة هذا العام الذي يلملم أطرافه الان مودعا دون أن تقوم لهذا الحوار المزمع قائمة،قال شيخ الترابي أنه انخرط فيه مضطرا بعد أن فشل في الاطاحة بالنظام،وقد بدت لنا مقولة الشيخ هذه وكأنها دعوة مبطنة لكل الآخرين الذين فشلوا طوال ربع قرن من الزمان في اسقاط النظام أن يركبوا الحوار اضطرارا مثله،ولكن جملة من الشواهد تقول بغير ما قاله الشيخ عن اضطراره لقبول الحوار،فتلك الشواهد تقول أن للشيخ (عود كبير) ونصيب وافر ودور مؤثر لعبه من وراء ستار في التخطيط لهذا الحوار، من خلال العديد من الجلسات الثنائية المحاطة بسياج متين من السرية والكتمان التي سبقت اعلانه، ولم يكن أبدا مضطرا اليه هذا ان لم يكن هو عرابه لأسباب لسنا بصددها الآن، ما يهمنا هنا هو حقيقة أن الشيخ على خلاف ما أعلن لم يكن مكرها ولا مجبرا ولا مضطرا للحوار، وانما كان بحماسه البادي له وانخراطه فيه بقوة بمثابة (سيد اللبن) كما يقول (الشرامة) في صاحب الحق الأصيل،وذاك على كل حال حقه،وبالطبع لن يكون دخول الشيخ في الحوار بثقله مثل ركوب ذلك السلطان في الأسطورة السودانية التيتل مضطرا لاثبات شجاعته،بل ما يخشى هو أن يجر الشيخ الاخرين لركوب التيتل…
و ملخص قصة ركوب التيتل يحكي عن الكيفية التي تخلص بها المواطنين في احدي مناطق دارفور القديمة من سلطانهم بعد أن بلغ جوره وطغيانه وبطشه مبلغا فاق كل احتمال،وكان لهم ما أرادوا عبر خطة جنونية رسمتها عجوز حكيمة،دخلت تلك العجوز على السلطان وانحنت له بالتحية وأجزلت له الثناء ودعت له بطول العمر، ثم قالت له انت يا سيدي فعلت كل شئ وقادر على فعل أي شئ ولكن بعض الحاقدين يهمهمون سرا يشككون في شجاعتك،ولكي تخرس ألسنة هؤلاء الجبناء لا بد أن تركب التيتل،وبالفعل أتوا له بالتيتل فامتطاه السلطان وأوثقوه على ظهره،فانطلق ذاك الحيوان الجامح ( الانطلاقة الياها حتى يومنا هذا)…وفي تقديرنا ليس من الحصافة الدخول في الحوار اضطرارا،فلكي يكون الحوار منتجا ومثمرا لا بد من الانخراط فيه عن قناعة تامة وبرضاء كامل، ويشترط فيه أن تكون أسسه واضحة وأطرافه متفقة على القضايا موضوع الحوار ونية الطرفين منعقدة فعلا للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك فلن يكون سوى طق حنك او حوار طرشان محكوم عليه بالفشل قبل بدئه، ولن يورث شيئا سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلا من قضايا، إن كان مثل هذا الحوار مجرد تكتيك لفرض الامر الواقع على الاطراف الاخرى او استغلال شكلانيته لتمرير سياسات أو قرارات معينة أو في المحصلة استدراج البعض لركوب التيتل…
[/JUSTIFY]بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي