الأسواق تنفث خبثها
هناك حديث شريف يقرأ ((أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))، ولست شخصيا في مقام من يفتي بصحته من عدمها ولكنه على كل حال حديث متداول ،ومما يقوله بعض الفقهاء في الأسواق والعهدة عليهم استنادا على هذا الحديث ،أن الأسواق من أبغض الأمكنة الى الله لأنها مظنة العصيان، وموئل الحلف الكاذب، والنجش والتطفيف، ومكان الغش والتدليس، ومظنة الغرر والخداع, فلا غرو وحالها هذا أن تكون الموضع الذي ينصب الشيطان فيه رايته ،ومع كل هذا فلا غنى عن الأسواق ولكنها تحتاج الى المراقبة والاصلاح الدائمين…وعطفا على هذا الحديث ونزولا بمعناه الى واقع أسواقنا اليوم،نجد أنها اكتظت بأساليب الغش والخداع والتدليس،فما يمر يوم الا ويسمع الناس عن ضبط كميات كبيرة من البضائع المغشوشة والمضروبة ومنتهية الصلاحية بما في ذلك المواد الغذائية والعقاقير الطبية التي تضر بالصحة،ثم لا يلبثوا الا قليلا حتى يسمعوا بلحوم الحمير والكلاب المعروضة للبيع،وعن الفراخ النافق المطهو للاكلين أو ذاك الذي تسرب الى البقالات والمولات،والى اخر هذه الممارسات المستهترة بحياة الناس ،والتي لن تكون اخرها تلك الضبطية الأخيرة للحوم الأبقار المصنعة الفاسدة،هذا هو للأسف واقع أسواقنا اليوم،تحتشد بكل ماهو بغيض ومؤذ وتخلو تماما من الضبط والرقابة والاصلاح…
أذكر أن الأستاذ علي عثمان محمد طه حين كان نائبا للرئيس ،كان قد شدّد في نوبة هيجة اعترته على ما يجري في الأسواق، على ضرورة حماية قوت الشعب من المتلاعبين به ممن يسعون للثراء الحرام باكتناز أقوات الناس وتخزينها والمضاربة فيها وبيع الناس التالف والفاسد من بضائع ومواد،وكان مما قاله في تلك الهيجة ان الحكومة الرشيدة التي تستحق البقاء هي الحكومة التي توفر للمواطن دواءه وغذاءه وكساءه وكرامته…الان وبعد مرور حوالي أربعة أعوام على تلك الغضبة المضرية الناقمة على حال الأسواق التي أطلقها وقتها نائب الرئيس،ما زالت الأسواق على حالها القديم، بل ازدادت سؤا بأن صارت تنفث خبثها وخبائثها بمعدلات مزعجة ومقلقة جدا،حيث لم يعد بمقدور المستهلك أن يميز بين الخبيث والطيب من السلع والمواد الغذائية واللحوم الحمراء والبيضاء والأدوية، من كثرة انتشار الفاسد منها في الأسواق التي أضحت مثل الناشز (تسير على حل شعرها) بلا ضابط ولا رقيب،ليس في الغلاء الفاحش للأسعار فحسب، وانما للخطورة البالغة حتى في نوعية السلع والمواد وصلاحيتها للاستهلاك الادمي،لدرجة أصبحت فيها أية سلعة أو مادة غذائية مشكوك فيها الى أن تثبت صلاحيتها،والحكومة هي من يتحمل بالدرجة الأساس كل هذا العبث الحادث في الأسواق،فمنذ أن رفعت يدها من الخدمات الأساسية وغيرها من الضروريات الحياتية الأخرى وانسحبت تماماً من هذه المجالات،فانها قد تركت المواطن نهباً لها، يكابد لهيبها وسعيرها لوحده وظهره مكشوف بلا نصير أو معين،وذلك هو حصاد سياسات التحرير والخصخصة الت تركت الحبل على جرار الأسواق لتعمل في الناس دهسا وتعيث فسادا بلغ درجة اطعامهم الميتة دعك عن الموقوذة والنطيحة…
[/JUSTIFY]بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي