عبد الجليل سليمان

الأيدز في الخرطوم


[JUSTIFY]
الأيدز في الخرطوم

انصرم أمس (اليوم العالمي للمتعايشين) مع الأيدز، وانصرمت معه (19) ألف حالة إصابة بالخرطوم وحدها، قابلة للزيادة بمعدل (1500) حالة جديدة كل سنة، بحسب وزارة الصحة الولائية.

وزير الصحة الولائي (مأمون حميدة)، أشار في كلمة بمناسبة الاحتقال باليوم العالمي للمتعايشين مع المرض، إلى وجود نحو (70) مركزاً علاجياً بالعاصمة وحدها، وإنهم يسعون إلى الوصول تصفير حالات الإصابة والوفيات جراء المرض العام المقبل.

جميل بالطبع أن ترفع الوزارة شعار (تصفير) الأيدز، ولكن ما كل (شعار) يرفع يتحقق، والدليل (فلنأكل مما نزرع ولنلبس مما نصنع)، الذي ساد وتصدر وأحدث جلبة وضجيجاً، ثم باد أمام الصيني من الكساء ومجهول المصادر من الدواء والغذاء.

أما فيما بتعلق بتصفير الأيدز، بعيداً عن هرج الشعار وهرجلاته، فإن التجارب الإنسانية الماثلة أمامنا تمثل خير زاد لنا للاستهداء بها وتقفي أثرها وتطويرها، فنحن جزء من هذا العالم ومن (البشر) الذين يمشون في مناكبه ويأكلون من رزقه ويُنشرون إلى ربه، ولسنا كائنات من كواكب أخرى، اختارت جزيرة معزولة لتعيش عليها وتبني فيها مدنها الفاضلة.

على أيِّ حال، إذا اعتبرنا أنفسنا بشراً أسوياء كغيرنا، وأبعدنا عن أنفسنا تلك الصفات الملائكية التي ندعيها، فإن تحقق الشعار التصفيري الذي أطلقته (صحة الخرطوم) يبدو ممكناً، وفي هذه الحالة فإن النظر إلى تجارب الآخرين يصبح أمراً مهماً وضرورياً، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.

وفي هذا السياق، فإن تجربة (الجارة السابقة) أوغندا، حريةً بالتأمل، فعندما ضربها الأيدز وشد عليها الوثاق، أعلنت أنها في حالة كارثة واعترفت بتفشي المرض وانتشاره وطلبت المساعدة من كل من استطاع إليها سبيلا، فكان أن حصلت على منحة تبلغ (47.5 ) مليون دولار أمريكي من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، وتم إنفاذ كل برامج المكافحة تحت إشراف تلك المؤسسة حتى لا تمتد الأيدي الآثمة والقذرة إلى تلك (البقجة) الهائلة من الدولارات وتلهفها في (خلسة المختلس).

تحت شعار (علينا أن ننتصر على الأيدز – دع فيروسه ينتهي عندي)، (لاحظ الفرق بين شعارهم الواقعي وشعارنا الطوباوي)، كنت شاهدت إحدى الأغنيات التي تروج للحملة الأوغندية الناجحة، كان كل فرد يحكي تجربته مع المرض، وفي هذا الصدد قالت (ماري) وهي أرملة تعول سبعة أطفال، إنها تتعالج بالمضادات الرجعية للفيروس لذلك فهي قوية، وها هي تغني وترقص. أما (ريتشارد) فدعا الناس إلى إجراء الاختبارات وتناول الأدوية وعليهم بجانب التحلي بالعفة استخدام الواقي الذكري والإخلاص لشريك واحد.

وهنا المربط الذي (يكجه) أناس يدعون (الملائكية) مثل النائب البرلماني (دفع الله حسب الرسول)، فيمنعون الخيل من الانطلاق قدماً في سبيل الحد من انتشار المرض، إذ يعتقدون أن العفة وحدها كافية، ومن لا يتعفف فليمت وقبل أن يفعل فلينقل المرض وينشره، ولتفنى الحياة كلها فلذلك لا يهم فقط عليهم أن يمنعوا الناس من استخدام الواقي الذكري.

في ظل أوضاع كهذي، ونسق تفكير متعالٍ ومتعجرف كذاك، لن يستطيع حميده ولا غيره، ليس تصفير الإصابة بالأيدز فحسب بل حتى تصفير (نزلات البرد)!!

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي