منى ابوزيد

الكليبتوقراطيين الظرفاء


الكليبتوقراطيين الظرفاء
[JUSTIFY] (ناس الابتسامة وفتات الغنائم) ..!

“يمكنك الذهاب إلى مدى بعيد بابتسامة، ويمكنك الذهاب إلى مدى أبعد، بكثير، بابتسامة ومسدس” .. آل كابوني ..!

تصدرت الأخبار الطريفة في وسائل الإعلام قبل فترة حكاية لص أوكراني غريب الأطوار، صنفته الشرطة في بلاده ضمن أكثر اللصوص المسلحين أدباً ولباقة، اللص المهذب شاب لطيف يمتلك طريقة ساحرة جداً في ممارسة الحرابة ..!
فإذا ما قدر لك أن تكون أحد ضحايا ذلك اللص الطريف، فإنه سوف يوجه سلاحه نحوك وهو يبتسم في وجهك، قبل أن يخبرك بأنه معجب بك للغاية، وهو لا يحمل أي ضغينة ضدك، وأنه آسف حقاً لاضطراره لسرقتك .. وبعد تنفيض المكان، سوف يعرض عليك بكثير من اللطف أن تحتفظ ببعض الغنائم ..!
أرجو أن تكون قد لاحظت مثلي أن الابتسامة والمسدس وفتات بعض الغنائم هي أيقونات مطروقة أيضاً، ودارجة جداً في عالم اللصوصية السياسية، ولو تأملت قليلاً فيما حولك، وأياً كان موقعك من أجهزة الدولة، ستجد أن بعض المسئولين في بلادك حكومة كانوا أو معارضين – ينتهجون مع شعبك نفس سلوك ذلك اللص اللطيف، مع اختلافات مذهبية طفيفة حول مسألة الفتات، أو “حبة الذوق” الواجب تركها في قعر كوب الغنائم ..!
التاريخ كما يقول ابن خلدون – ليس أكثر من نشرات أخبار في الظاهر، ولكنه في باطنه مكمن الأفكار والعبر، وتاريخ الأنظمة الحاكمة مع النهب المسلح بالاستبداد السياسي، يقول إن تراكم الثروات الشخصية للقلة الحاكمة على حساب الشعوب ظاهرة متفشية في مجتمعات حكومات الحزب الواحد أو التعددية الشكلانية المنطلقة من صفقات ترضية سياسية، كما يحدث في بلادك .. وهذا هو بالضبط ما يطلق عليه فقهاء السياسة في حذلقة مصطلح “الكليبتوقراطية” ..!

على أن تلك الرطانة لا تنقص شيئاً من وضوح الفكرة، التي تقول إن هذا الضرب من الحرابة السياسية المهذبة ينقسم بدوره إلى نوعين، فهناك أنظمة حكم اللصوص الذين لا يأبهون بتقديم الفواتير ولا يكترثون لتبرير تكدس أرصدتهم بالخارج على حساب خواء خزائن المال العام ..!
أما الكليبتوقراطيين الظرفاء – ناس الابتسامة وفتات الغنائم! – فهؤلاء تجدهم في معظم النظم الديمقراطية بلادك مثالاً – حيث تتخذ اللصوصية لنفسها مصطلحات لطيفة “من أسهم العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم .. إلى دمغة الشهداء والجرحى ..” .. وحيث يتسربل التواطؤ وانعدام المساءلة بمفاهيم جاذبة “من فقه السترة .. إلى الترضيات السياسية .. إلى شراكات الحكم الذكية التي تنقسم بموجبها أموالك ومواردك بين من لا يملك ومن لا يستحق ..!
وفي النهاية أنت موعود بسلاح مصوب إلى مصدر رزقك، وابتسامة تستهدف احتجاجك، ومساومة فظة على حقك في فتات الغنائم ..!

(أرشيف الكاتبة)
[/JUSTIFY]

الكاتبة : منى أبوزيد
[email]munaabuzaid2@gmail.com[/email]