عبد الجليل سليمان

السنسكار الإثيوبي


[JUSTIFY]
السنسكار الإثيوبي

كنت نشرت، قبيل زيارتي لإثيوبيا نشرت على حسابي بفيس بوك، قصيدة لشاعر وكاهن وموسيقى وكاتب مزامير مرتل إثيوبي اسمه القديس يارد، توفي سنة 1350م، يصفه كثيرون بالسنكسار، ينتمي يارد لعائلة كهنوتية، حيث كان أبوه كاهنًا في أول كنسية إثيوبية (كنيسة السيدة العذراء بأكسوم).

بدأت قصة السنسكار(يارد) مع الشعر، بُعيد ضربه من قبل معلمه الذي وصفه بالكسل، فهرب من المدينة وجلس تحت شجرة، ورأى دودة تحاول تسلقها، وكلما سقطت عاودت الكرة مرة أخرى، فاعتبر بها وعاد إلى معلمه واستسمحه، ولما كان المعلم رجلًا روحانيًا فرح بذلك وطلب من (الأب السماوي) أن يفتح بصيرته، فانفتحت على الشعر والتراتيل على مصراعيها.

وكانت قصيدة (توبة الغانية) التي نشرتها على صفحتي في فيس بوك من أجمل أشعاره، فهاكم مقتطفات منها: “بعيدة مثل الرب، قريبة مثله/ المياه تسربل جسد الغانية التائبه/ فاكهتاها الذابلتان / من أجل المتعبين الذين يجيئونها ليلاً فتمنحهم ما تضن به الربانيات/ والآن بعد توبتها/ لم يعد لديها الكثير لهؤلاء/ ذبحت على محفل توبتها قربانها الرباني/ وظنت أنها تابت الا ترون معي أنٍها تزندقت”.

للأسف، نحن لا نعرف شيئاً عن جيراننا بينما هم يعرفون عنا الكثير، إذ كان أحرى بنا أن ندرس اللغتين الأمهرية والتجرينية في جامعاتنا حتى نقترب أكثر من ذلك الإرث العظيم الذي نرتبط به ثقافياً وتاريخياً وإثنياً، وهذا ما اقترحه المثقف والمسرحي العظيم (عثمان البدوي) صاحب برنامج مثقال ذرة الشهير الذي بثته العديد من الإذاعات المحلية، إذ طلب من جامعة القضارف تدريس اللغتين الأمهرية والتجرينية بها، لكن لم يأبه أحد بما قال كالعادة.

وبعيداً عن الركود الرسمي وشح خيال المسؤولين، وجهلهم الفاضح بما (عليهم وحواليهم)، دعونا نستريح قليلاً بين يدي الشاعر والزاهد العظيم (يارد)، الذي يُحكى عن أن (الملك) الإثيوبي وقتها – جلس يستمع إلى أشعاره وتراتيله فاهتزت جوانحه لعذوبتها، فشرود خياله بعيداً حتى غرس سيفه في قدم يارد دون أن يدري، وكان يارد بدوره مندغماً ومأخوذًا بألحانه فلم يشعر بالسيف مغروساً في قدمه.

يارد الذي قضى بقية حياته (برغبته الشخصية) وحيداً في الصحراء (جنوب إثيوبيا) في الزهد والتعبد، كان يستلهم أغنياته وحياته كلها من أصغر المخلوقات وأحقرهن بحسب معايير ذلك الزمان مرة من (دودة) وأخرى من (غانية) تائبة، ورغم حب الناس له حد التقديس إلى أنه اختار بعد أن استأذن الملك أن ينفق ما تبقى في التأمل من عمره بعيداً عن البشر، وعندما بلغ الشعب خبر رحيله قالوا إنه ترك فيهم من الألحان ما سيظل تعزية لهم في غيابه الأبدي.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي