بلاش من نيويورك طلبا للسلامة
عند نهاية ومن ثم بداية كل عام غريغوري (ويا جماعة هذه هي التسمية الصحيحة وليس «الميلادي» لأن المسيح لم يولد قطعا قبل 2014 سنة، فمن وضع أو تبنى هذا التقويم هو بابا الفاتيكان غريغورس الثالث عشر، الذي تخلى عن التقويم اليولياني، نسبة إلى يوليوس قيصر الذي خصص أحد الشهور «يوليو/ جولاي» لنفسه)، المهم أنني بنهاية كل ديسمبر أحاول اتخاذ قرارات تضع حياتي على مسارها الصحيح، لأنني -ولله الحمد- متفائل بطبعي، ولست ممن يطرحون ويزيدون في سنوات العمر، بل أعمل وأفكر لدنياي كأنني سأعيش أبدا، وفي كل عام أستنتج أنني ظللت خلال السنوات الأخيرة في حالة لهاث دائم، وأن حياتي صارت محسوبة بالدقيقة والثانية، فرغم أنني توقفت منذ سنوات عن لبس ساعة المعصم إلا أن الموبايل القبيح، الذي يكون على الدوام في مرمى عينيّ، يبلغني بالوقت ثانية بثانية، ولو انصرفت عنه فإن شاشة الكمبيوتر تحمل على مدار الثانية التاريخ والتوقيت.
المهم أن اللهاث المستمر مما جعلني في حالة توتر دائم، وقررت من ثم أن أجعل إيقاع حياتي أكثر بطئاً، ولو ألبسني ذلك تهمة الكسل التي فبركها الخليجيون على بني وطني: لن أتعجل أو استعجل شيئا، وأتذكر في هذا الصدد أن هناك رحلات جوية مباشرة بين سنغافورة ونيويورك تستغرق 19 ساعة.. يعني 19 مضروبة في ستين يساوي.. ستة في تسعة تساوي.. أربعة معانا خمسة… همممم، 1140 دقيقة، وهي مدة يتزوج خلالها نحو نصف مليون شخص ويولد نحو 867 ألف شخص، ويموت مئات الآلاف، ما لزوم كل هذا؟ لماذا أعبر نصف قارة آسيا وكل القارة الإفريقية وأجزاء من أوروبا ثم أجتاز المحيط الأطلسي، في قعدة واحدة للوصول إلى نيويورك والبهدلة والشحططة في مطارها نحو أربع ساعات أخرى ليتأكدوا من أن المسافرين -خاصة المسلمين منهم- لا يحملون صواريخ في أمعائهم؟ ثم اقرأوا المزيد عما يحدث طوال مثل تلك الرحلة: يفقد كل مسافر خلالها أكثر من 11 مليون خلية من جلده؟ ماذا يتبقى لي بعد أن أفقد كل تلك الخلايا في سبيل الوصول إلى نيويورك!! وإذا كان في الرحلة 180 راكبا فإن مجموع «خسائرهم» مليارين من الخلايا الجلدية و180 ألف شعرة!! ما هذا التبذير؟ هل نيويورك تستأهل كل هذه التضحيات؟ تنزل في مطارها وقد فقدت أكثر من 11 مليون خلية من جلدك؟ يعني تكاد تكون عاريا رغم ملابسك الأنيقة، هذا ليس كل شيء، فخلال الرحلة من سنغافورة إلى نيويورك يفرز المسافرون 500 مليلتر مكعب من الروائح المختلفة و150 لترا من سوائل العرق، و… الطامة الكبرى أنهم ينتجون 144 لترا من غازات البطن، وما أدراك ما غازات البطن!! كل تلك البلاوي تظل محبوسة داخل الطائرة بمعنى أن كل مسافر يلتقط خلايا جلود الآخرين ويستنشق الغازات والروائح آنفة الذكر، وتخيل لو أن بالطائرة خمسة فقط يعانون من سوء الهضم وواحد مصاب بالإيبولا وثالث مصاب بإنفلونزا الدجاج! وأنت تشفط على مدى 19 ساعة، وقد يحس المسافر بالملل ويضع سماعة على أذنيه لمتابعة برنامج تلفزيوني أو مادة صوتية مسجلة، في هذه الحالة تتضاعف كمية الفيروسات في أذنه 3500 مرة!! هل ستضحكون على أبي الجعافر مرة أخرى لأنه يعترف بأنه يخاف ركوب الطائرات حتى من المنامة إلى الدوحة؟ كلنا نعرف أن في العجلة الندامة فلماذا يلهث بنو البشر لتحقيق كل شيء على عجل، حتى صار أكل وجبة كاملة لا يستغرق أكثر من ثلاث دقائق؟
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]