حيدر المكاشفي

بضائع مضروبة وصنايعية مواسير

[JUSTIFY]
بضائع مضروبة وصنايعية مواسير

( نصلح سراير نجلد عناقريب ) نداء لم يعد طاغياً كما كان ولكنه لم يتلاشى تماماً، كان نداء (نصلّح سراير) الذي اشتهر به بعض أهلنا الحلب أو (الحلبة) في رواية أخرى ممن كانوا يجيدون أعمال الحدادة التي برعوا فيها متحالفاً مع النداء الآخر (نجلّد عناقريب) الذي إختص به بعض أهلنا من عربان السودان ممن إختصوا بنسج العناقريب المصنوعة من جذوع الاشجار، كان هذان النداءان يعبِّران عن حقبة من التميز والمهارة في الاعمال اليدوية والصناعات الصغيرة والمصنوعات الشعبية Handicraft) ) وغيرها من أعمال الخراطة والسباكة والكهرباء والميكانيكا والمباني والنقاشة وصيانة الاجهزة الكهربائية وصيانة الالكترونيات المطروحة في الاسواق والمتداولة بين الناس وقتذاك، وكان كلما ظهر كشف جديد وُجد من يجيد التعامل معه فكاً وتركيباً وصيانة، ولكن للاسف بدأت هذه الايدي الماهرة والمقدرات الفنية الوسيطة تتناقص وتتضاءل رويداً رويداً إلى أن أطل علينا يوم إمتلأت فيه الاسواق ليس بالبضائع (المضروبة) فحسب بل وبالصنايعية والفنيين (المواسير) حتى أصبحت عملية بسيطة وصغيرة مثل إصلاح صنبور ماء عسيرة تتطلب الجهد والوقت وربما أحوجتك إلى استدعاء كونسلتو من السباكين، إذ أضحى من العادي أن لا ينجح أول من تلجأ إليه في التحديد الدقيق والصحيح لعلة آلتك المعطوبة وبالضرورة لن ينجح في إصلاحها هذا إن لم يزدها عطباً على عطب لتجد نفسك غارقاً في دوامة من البحث إلى أن يبعث الله لك من يحل كربتك أو (تنكرب) فتستبدل المعطوب بآخر جديد لتعود للدوران مجدداً في ذات الدائرة إذا لا قدر الله تعطل الجديد، وقد تعرضت شخصياً لعدد من التجارب المريرة مع عدد من الصنايعية والفنيين الذين لم يكونوا فاشلين فحسب بل ومدعين كذلك، ولا شك أنكم أعزاؤنا القراء قد مررتم بتجارب مماثلة، ومنها ما حكاه مرة أحد الزملاء الصحافيين حين ساقته أقدار العمل الصحفي إلى دخول مقر قطاع الشاحنات،قال أن أول ما لفت نظره كان الوجود الكثيف للعمالة الاجنبية بهذا القطاع، فسأل عن السبب وعن ندرة وجود السودانيين بين هذه الكثافة الأجنبية، قيل له لقد قررنا توظيف العمالة الاجنبية والفنيين الاجانب لأن آلياتنا هذه كبيرة وغالية الثمن ولا يمكن أن نجازف بها ونضعها بين أيدي سودانيين غير مؤهلين، والحكاوى تطول والألم متطاول يكفينا منه ما جاء عاليه للدلالة على السوء الذي بلغه هذا القطاع عالي الأهمية…

الآن ومع شكوى وزارة العمل عن ندرة العمالة الفنية المدربة، نتساءل باستنكار ، ثم ماذا بعد وما هو الحل لهذه المعضلة اذا كانت الوزارة المسؤولة عن النهوض بالمهارات المهنية والحرفية والتقنية والفنية والتقانية لرفد سوق العمل بالكوادر المدربة والمؤهلة الوسيطة،هي نفسها تشتكي ولمن تشكو الكوادر الوسيطة في مختلف المجالات بما لقيته من إهمال ولا مبالاة أوردها هذا المورد من الضعف والهوان حتى هانت على المستخدمين فأصبحوا يستجلبون هذه الكوادر من الخارج…
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي