الطاهر ساتي

( 40.000 رقيق )

[JUSTIFY]
( 40.000 رقيق )

:: ومن أشهر القصص الرمزية، كانت هناك نملة مجتهدة .. تعمل يومياً بهمة ونشاط وسعادة، وتنتج وتنجز كثيراً بهدوء.. ولما رآها ملك الغابة تعمل بكفاءة عالية، قرر تنظيم عملها وأصدر قراراً بأن يكون الصرصور مشرفاً على عملها..استلم الصرصور منصب المشرف العام ، وأصدر قراراً سريعا بوضع نظام الحضور والإنصراف للنملة، ثم عين العنكبوت كمسؤول عن مراقبة النملة، ثم الناموس لإعداد تقارير الآداء وتحديد ساعات العمل الرسمية..وكان قبل هذا إختار الذبابة سكرتيرة لمكتبه الخاص ..!!

:: فرح ملك الغابة بتقارير الصرصور الشهرية، وطالبه بتطوير آداء النملة والتقارير، وذلك بإدراج رسوم بيانية وتحليل، ثم تأسيس قسم الأرشفة.. ونفذوا الطلب، وإختاروا الحمار ليكون مديرا لهذا القسم..إشتروا الكثير من الأثاث والأدوات المكتبية لتأسيس قسم الأرشفة والمتابعة، ثم إختاروا الغُراب ليكون (أمين مخازن)..وبعض الفئران كعمال نظافة..وكان الصرصور يجتمع بكل هؤلاء يومياً، وكان يحرص أن تكون النملة المجتهدة من الحاضرين .. استاءت النملة من هذا النظام الإداري، وما به من إجتماعات تخصم من ساعات عملها، ولم تعد تنتج وتنجز كما السابق بجد وإجتهاد ..!!

:: وهنا شعر ملك الغابة بضعف آداء النملة و أزمة في الإنتاج، وأصدر قراراً بتعيين الفيل ك (خبير وطني) .. ومسؤول عن تطوير إدارة الصرصور.. فاستلم الفيل منصبه، وأصدر حزمة قرارات بتعين الزراف مديراً لمكتبه الخاص، والجمل مستشاراً لشئون التأصيل و الخروف مشرفاً مالياً بدرجة وزير دولة.. وبعد ثلاثة أشهر، رفع الفيل تقريراً يُفيد بأن ضُعف آداء النملة وقلة انتاجها و إرتفاع تكاليف تشغيلها بحاجة إلى تخفيض العمالة المترهلة..فأجتمعوا – برئاسة ملك الغابة – لمناقشة تقرير الخبير الوطني الفيل، وطرحوا قضيتي ضعف الإنتاج وترهل العمالة، ثم قرروا – بالإجماع – تخفيض العمالة و… فصلوا النملة ..!!

:: وهكذا الخدمة المدنية في بلادنا، ترهل بلا إنجاز..وعندما يفكروا في هيكلة وحدة حكومية مترهلة فانهم يتخلصوا من (الكفاءة المنتجة)، وبعد عام يفتحوا فرص التوظيف لترهل آخر في ذات الوحدة.. وبصحف البارحة أخبار متناقضة، منها تأكيد اتحاد عمال السودان بأن مشروع رفع سن التقاعد للعاملين بالدولة – إلى 65 عاماً – بات قريباً .. وهذا يتناقض مع خبر آخر تؤكد فيه مفوضية الإختيار للخدمة المدنية عن سعيها إلى زيادة الوظائف المخصصة للعام القادم إلى أكثر من ( 40.000 وظيفة).. فالحلم بأجهزة دولة رشيقة وفاعلة يصطدم بمثل هذا التكدس .. نعم، رفع سن المعاش مع إستيعاب الشباب يعني المزيد من الترهل (غير المنتج)..!!

:: الدولة المعاصرة هي ذات الحكومة الذكية التي تكتفي أجهزتها بالدورين (الرقابي والاشرافي فقط لاغير)..ثم تفسح مواقع الإنتاج والخدمات لشركات المجتمع، لتبدع وتنتج وتخدم وتنهض بالمجتمع والبلد..ولكن الحكومات التي من شاكلة حكومتنا هذه هي التي تكبل القطاع الخاص بقيود الضرائب والآتاوات وكل أنواع الحرب على الإستثمار، وتتمدد هي – بأجهزتها الكسولة وخدمتها المدنية المترهلة- على كل مفاصل الانتاج و الخدمات، ويكون الحصاد دائما الإحتكار والترهل والفساد و رداءة الخدمات..كان عليكم تحرير أحلام وعقول وطاقات شبابنا من رق القرن المسمى ب(الوظيفة الحكومية)..ولن يتحرروا من قيود هذا الرق وسياساتكم الإقتصادية تكاد تقزم فرص الإبداع والإنتاج عبر القطاع الخاص إلى ( خُرم إبرة )..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]