عبد الجليل سليمان

الفأرنة والأنسنة


[JUSTIFY]
الفأرنة والأنسنة

استبدل علماء من جامعة (روتشستر) في نيويورك 40 بالمائة من خلايا (أمخاخ) الفئران بخلايا بشرية أُستخرجت من أجنة آدمية قُدمت للجامعة هدية، وزرعت في أدمغة الفئران حيث (نمت وترعرعت) حتى قويت الصلات بين خلاياها العصبية وانعكست هذه التقوية على القدرات الحسابية والعقلية للفئران التي بدأت بتذكر علاقة نغمة صوتية معينة بضربة كهربائية ضعيفة لفترة أطول بأربعة أضعاف. هذا مع أن الباحثين أكدوا أن زرع الخلايا البشرية لا يزود الفئران بأي قدراتٍ إنسانية.

هنا في هذه البلاد، لا أحد من المسؤولين يستطيع أن يتذكر حتى نغمة صوته، وهو يصرّح بـ (أنه أو أننا) وبحلول عام كذا سننجز كذا وكذا، ثم ما إن يأتي العام المُحدد حتى يأتي ذات المسؤول (ويبلع) ما قاله أمس، وربما لا يتذكره، فالأكاذيب التي تُنتجها اللحظات الخطابية الحماسيِّة سرعان ما تفلظها الذاكرة و(تنساها).

وفي السياق هذا، وفيما لو ابتدرنا رصداً دقيقاً للخطط والوعود والتصريحات التي يطلقها المسؤولون والسياسين في هذه البلاد (العجيبة)، خاصة تلك التي تخرج من بين تلافيف وتضاعيف الخُطب الجماهيرية والمنابر الرسميِّة لأرسلنا هؤلاء إلى مُختبرات (روتشستر) ليحلوا محل فئران التجارب فيحقنون مستخلصات الأجنة الآدمية لعلهم يتذكرون نغماتهم الصوتية الكذوبة التي أطلقوها في العاملين حين هياج وهوجة، ثم لم يخجلوا من تكرارها بعد حين، وكأنهم ذاكراتهم خؤونة.

هؤلاء الذين تم اختبارهم سنينا عدداً، لم يعد بالإمكان تصديقهم مرة أخرى، لذلك ما من مهمة أكثر فائدة ونفعاً لهم ولغيرهم غير أن تستعيض (روتشستر) عن فئرانِ التجارب بهم، وبالتالي يُكفرِّون عن (أخطائهم) السابقة ويصبحون أكثر فائدة للإنسانية. أليس هذا اقتراح عظيم؟ أليس الفئران صنو الإنسان وكائناته الصغيرة الجميلة المفيدة؟ إذن لماذا لا (يتفأرن) هؤلاء بينما تتأنسن الفئران.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي