الطاهر ساتي

بشارة خير

[JUSTIFY]
بشارة خير

:: ومن الخواطر.. يوم رائع، عطلة رسمية بمناسبة وضع حجر الأساس لأكبر جسر في العالم ..الفريق الهندسي أكمل التصميم بثلث الميزانية، وكذلك الاقتصادي أكمل دراسة جدواه بالثلث الثاني، ثم نجح المعتمد في جمع الحشد الجماهيري وتأجير بعض الهتيفة بالثلث الأخير..والإحتفال عند التاسعة صباحاً بالميدان العام.. ولكن، قبل بداية الحفل بساعة، نصحهم حكيم القرية بأن المكان المستهدف بالجسر ليس به نهر.. فأعتقلوه، ثم وجهوا له تهمة العمالة والخيانة والتخابر مع الأجانب وإعاقة النظام عن أداء واجبه..ثم أعدموه .. رحم الله حكيم القرية ، لم يكن يعلم أن نهج النظام يبني الجسر أولاً، ثم يبحث عن النهر..( لاحقاً )..!!

:: تلك خاطرة من خواطر مُفكرتي (الخاصة جداً)، وبعض أصدقائي يشبهونها بالقصص القصيرة بيد أني أسميها ب (ظلال الحال)، أي هي رمزية لبعض تخبطنا – وعشوائيتنا – في الحياة العامة.. نهدر أموالنا في مشاريع إستراتيجية، ثم نكتشف – لاحقاً- اما أنها غير ذات جدوى أو نعجز عن تشغيلها، ثم نصبح على ما أهدرناها نادمين ..وعلى سبيل المثال، لقد أحسنت إدارة وحدة السدود عملاً بإنشاء بعض المشاريع المصاحبة لمشروع سد مروي، ولكنها أخطأت بتولي أمر إدارة وتشغيل تلك المشاريع..نعم، كل المشاريع المصاحبة لمشروع سد مروي (ذات جدوى)، ولكن ليتها – وحدة السدود – إكتفت فقط بإنشائها، ثم تسلمها – بعد الإنشاء – لخبازها لتديرها وتشغلها ..!!

:: مطار مروي ومستشفى مروي والمشاريع الزراعية التي تم توزيعها للمتأثرين بمساحات شاسعة، كلها ( مشاريع ذات جدوى).. ولكن، لم تُحسن وحدة السدود إدارتها وتشغيلها، وكذلك لم تدعها لمن يحسنون إدارتها وتشغيلها.. ولذلك، تحولت من مشاريع إقتصادية وخدمية ذات جدوى إلى ما تبدو حاليا مشاريع (مُهدرة للمال العام).. مستشفى مروي نموذجاً.. إكتمل قبل خمس سنوات تقريباً، ويقع على مساحة قدرها (100.000 متر مربع)، والمبنى العام للمستشفى (ثلاثة طوابق)، ثم مركز لدراسة وعلاج الأورام ( ثلاثة طوابق أيضاً)، ثم مساكن الأطباء وكادر التمريض، وكذلك مبنى لمرافقي المرضى.. والسعة التشغيلية للمستشفى ( 350 سرير)، وسعة مركز علاج الأورام (100 سرير)، وعيادات خارجية لكل التخصصات وأقسام الأشعة .. !!

:: قيمة هذا المشروع (82.257.974.43 جنيه).. فالمشروع ( كبير جداً) عندما نقارنه بمشافي البلاد الأخرى، بل إمكانيات هذا المشروع – الأجهزة والمعدات والمواصفة- هي الأكبر والأحدث في البلاد، ولكن بالعجز عن الإدارة والتشغيل لم تستفد منها البلاد طوال الخمس سنوات الفائتة.. واليوم، أحسنت وحدة السدود- بل كل الحكومة – عملاً وهي ترفع يدها عن إدارة وتشغيل هذا المشروع (الكبير جداً)، وآيلولته لجهاز الإستثماري للضمان الإجتماعي ( بشارة خير)، واللهم أجعله خيراً للناس والبلد ..ولهذا الجهاز تجربة ناجحة بشرق النيل.. مستشفى شرق النيل، كان مجرد مباني ومعدات مُعطلة بطرف حكومة الخرطوم، لأن تكاليف تشغيلها أكبر من ( عقل الحكومة)، ولكنها – بعد آيلولة تشغيلها وإدارتها لجهاز الضمان الإجتماعي – تحولت تلك المباني والمعدات المُعطلة إلى أحد أهم مشافي البلاد..!!

:: وما يُطمئن أن الخطة التي شرع في تنفيذها جهاز الضمان الإجتماعي منذ أسبوع لتشغيل هذا المشروع الكبير – خلال الأسابيع القادمة – هي خُطة لاتستهدف فقط تخفيف الأعباء على المشافي المرجعية بالخرطوم، بل تتجاوزها لإستقطاب مرضى دول الجوار الإفريقي بالتنسيق مع شركات الطيران..فالإدرات الواعية والمُستقلة – أي غير المُكبلة بسلحفائية الخدمة المدنية وقوانينها المتخلفة – قادرة على صناعة المدائن في الفيافي، ناهيك عن إدارة وتشغيل مستشفى، وعلى الحكومات الولائية توسيع مظلة التأمين الصحي بحيث تستوعب كل ذوي الدخل المحدود والفئات المتعففة ..والمهم، كما يُزيد الإنتاج كل ما تحررت وسائله ومصادره من قيود (الإحتكار الحكومي)، فالخدمات أيضا تطور كل ما إبتعدت عن رداءة ( الآداء الحكومي)..وهذا ما لم – ولن – تستوعبه العقول التي لا تزال في محطة ( بصات الوالي) و ( قطر الوزير)..!!

[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]