الحاجة لها عند القيادات أعلى
الضمير(المستتر) في لها يعود للمسؤولية التي أوشكت أن تختفي من تداولنا اليومي، وهي مطلوبة بشدة في التعامل الانساني والمهني والمجتمعي، مطلوبة من الجميع لكن الحاجة لها لدى القيادات السياسية والتنفيذية تكون دائماً أعلى وأشد إلحاحاً من غيرهم، لأن القيادات التي أشرنا اليها هي التي تخطط لمسار تعامل الدولة والمجتمع، وتحتكم الى الدستور والقانون، وتملك قوة اتخاذ القرار، وقوة تنفيذه.
صديقنا الوزير الشاب، والأخ الأصغر الأستاذ ياسر يوسف من الذين نحسب أنهم يتمتعون بقدر عالٍ من المسؤولية والاحساس بها وبأهميتها من أجل التغيير المطلوب في البلاد، والحكم على شخصية الأستاذ ياسر يوسف لم يكن وليد معرفة قصيرة هي فترة توليه منصب وزير الدولة في وزارة الاعلام، بل هي معرفة قديمة، كنت أرى فيه ما هو عليه الآن، مثل عدد من أخوتنا وأبنائنا الشباب الذين لم يخيبوا الظن فيهم سواء على مستوى المركز أو على مستوى الولايات، حتى أن زميلنا وصديقنا الأستاذ علي فقير عبادي كان يقول لي ضاحكاً وممازحاً: (يا أخي ناسك ديل كلهم بقوا وزراء ومعتمدين) وكان قد التقى بعددٍ منهم أكثر من مرة بمنزلنا في مناسبات تواصل اجتماعي نسأل الله ألا ينقطع.
الاحساس العالي بالمسؤولية، والتعامل وفق معطياتها ومتطلباتها يعود لصاحبه بالتكلفات المختلفة ليتقدم الصفوف، ويرتقي مدارج العمل العام، سواء كان على مستوى الحزب- أي حزب- أو على مستوى الدولة، أوحتى على مستوى الوظيفة الخاصة، أو العمل الخاص، والذي يستمر على ذات النهج يسدد الله تعالى خطاه في دروب النجاح، لينتقل من نجاح الى آخر.
أما لماذا الكتابة عن الأستاذ ياسر يوسف فالسبب بسيط لكنه عميق المدلول، فقد بعث الى بالأمس رسالة هاتفية عن طريق خدمة الواتساب، منذ الصباح الباكر، وأتوقع أن يكون قد كتبها وهو يرتشف (قهوة الصباح) ويطالع الصحف، قال لي فيها معقباً على زاوية الأمس (بعد.. ومسافة) التي جاءت تحت عنوان (ما الذي دهانا؟) والتي أشرنا فيها الى المتغيرات السلبية التي ضربت مجتمعنا في «شكله» وامتدت لتصل الى «هيكله» و«جذوره» وعرجنا الى تأثيرات السياسة على الاقتصاد، وتأثير الأخير على المجتمعات التي ارتفعت فيها نسبة الفقر، وزادت نسبة الجريمة، وتعاطي المخدرات، ثم تنامي ثقافة العنف، ولجوء البعض الى الانتحار.. وقلنا في نهاية المقال إن الهجوم على الصحافة التي تنشر مثل تلك الأخبار هو هجوم غير منطقي لأن منع النشر لن يوقف الجريمة، وما الصحافة في بلادنا إلا تعبير عن حركة المجتمع، مثلها مثل أية صحافة في العالم.
أعرف أن الأستاذ ياسر يوسف من المهمومين بعملية التغيير الايجابي في المجتمع، وقد بعث الي برسالة جاء فيها-
بعد السلام- «تعليقاً على عمودكم اليوم، أرسل لكم بعض عناوين الأخبار الواردة في صحف اليوم».
وأما العناوين فهي مخيفة، مثل- (انتحار شاب من أعلى كوبري شمبات) و(الخرطوم تؤكد وجود منافذ الصرف الصحي على النيل) و(تقرير أمريكي: السودان ضمن أسوأ الدول في حرية الانترنت) ثم (السوداني تنشر معلومات خطيرة عن محكمة حاويات المخدرات) و(جهات ممولة تتوقف عن مشاريع التمويل بسبب المديونية) و(قوش يشدد على حسم تدخل الدولة في الزراعة).. وعناوين كثيرة ومثيرة وخطيرة منها: (برلمانيون يتهمون وزارة العدل بتعطيل قانون المنتجين ويطالبون بمحاسبتها) أو مثل (الفريق آدم حامد: في السودان كل شيء مقلوب) أو (انقاذ أحد مسرِّحي جبهة الشرق من الانتحار في بورتسودان) و(إرهاب وسرقة ربة منزل بالحلة الجديدة) ثم (العثور على توأم حديثي الولادة داخل كيس) و(محاولة فاشلة لاختطاف طالبة أساس بكسلا).
وعناوين كثيرة على هذه الشاكلة تؤكد ما ذهبنا اليه من أن تحولاً سالباً قد حدث في مجتمعنا وأن القيم أضحت مهدرة، وأن عقد الأمن الأخلاقي والمجتمعي قد انفرط أو أوشك.
سعدت برسالة الأخ ياسر وانفعاله بما تنشره الصحافة السودانية من آراء، ولأننا في الصحافة لسنا بسلطة (حقيقية) فإننا نحيل الأمر برمته الى الأخ الأستاذ ياسر يوسف، وللحكومة بكل مؤسساتها المعنية بالتغيير في بلادنا، ونناشد أن تقوم الدولة بخطوة حقيقية في سبيل الاستقرار المجتمعي، رغم علمنا بحجم التحديات التي تواجهها- هذا الأمر لابد أن يكون ضمن أجندة مؤتمرات الحوار المجتمعي، إن لم يكن أهمها على الاطلاق، انها دعوة للنقاش وفكرة يمكن أن تثمر شجرة نستظل جميعنا تحت ظلها، وننعم بطيب الثمر.
شكرا أخي ياسر.. ولتبدأ بإسم الله.
[/JUSTIFY]بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]