الشعر الكثيف والفقر العنيف
من حسنات – وربما مساوئ عملي – في مجال التلفزيون، أنه علمني عدم الانبهار بأشكال الناس، فقد رأيت منذ دخولي ميدان العمل التلفزيوني في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وخلال استضافتي في عدد من القنوات التلفزيونية، العديد من المذيعات اللواتي يحسبهن الآخرون عسلا مصفى، رأيتهن على الطبيعة، وكن يشبهن شمع العسل.. يعني وجوههن مليئة بالكلاكيع والأخاديد والمطبات والأودية المتصدعة، ورأيت والتقيت مذيعين «رجالا» ترى الواحد منهم على الشاشة فتحسبه ترافولتا زمانه.. شعر حرير وخدود ملساء ورموش مثل مكانس سعف النخيل، وجالستهم خارج بيئات العمل فارتفعت معنوياتي لأنني اكتشف انني ومقارنة بهم «مهند التركي مالئ الدنيا وشاغل البنات»، واستنتجت أنني حلو بدرجة معقولة «رغم» أن كل شيء في شكلي طبيعي، ولا استخدم مثلهم الموكيت لسد الثغرات في فروة رأسي، ولا أطلي وجهي بأي نوع من الدهان، ومن ثم فان شكلي في الصباح مثل شكلي بالليل وشكلي في يناير مثل شكلي في مارس.. شعري طبيعي.. صحيح أن الشيب مارس معي السياسة الخارجية الأمريكية وغزا كل شبر في رأسي بحجة البحث عن أسلحة الغبار الشامل، ولكنه يبقى شعري «حلالي» ولم أستعره من رأس ميت أو فقير باعه ليأكل.. وخدودي لا تخلو من أخاديد بسبب القنابل العنقودية التي قصفني بها الدهر، ولكنها ليست بحاجة حتى الى نيفيا وأخواتها.. ولوني أسمر، والسمرة مكياج طبيعي وهبة ربانية يسعى ذوو البشرة الفاتحة لاكتسابها بالأصباغ المسرطنة «بالمناسبة فإن أصحاب البشرة السمراء أقل عرضة لسرطانات الجلد الناجمة عن التعرض لأشعة الشمس».. ولكن ملامحي الجميلة تلك «وموتوا بغيظكم يا جماعة الباروكات والدهانات والجل» تؤكد بحسب دراسة سخيفة شملت نحو 3000 شخص، أجراها باحثون في هونج كونج، أنني لست «وِش/وجه» نعمة، لأنها توصلت الى ان الرجال الذين يعانون من الصلع هم الأكثر ثراء «ربما كان الاستثناء هنا هو صديقي وزميلي جميل عازر المذيع في قناة الجزيرة، فقد ولد فيما أعتقد أصلعا ومع هذا لا يملك غير راتبه الشهري»، فقد اتضح ان نحو 95% من المصابين بالصلع تبلغ مداخيلهم الشهرية نحو ستة آلاف دولار أو أكثر، وكلما ازداد المرء ثروة «مالية»، كلما نقصت ثروته وفروته من الشعر. فارفع يا صديقي يديك بالدعاء: اللهم إن كان شعري سبب فقري فخلصني منه.. وتذكر ان قص الشعر بالكامل على الزيرو عند الحلاق لا يجعل منك أصلعا، وعليك بالتالي ان تستخدم نوعية الكريمات التي تعصف بالشعر وتجعل الرأس قاعا صفصفا! ولكن ما يحيرني هو ان أحد أغنى أغنياء العالم الذي هو بيل غيتس لديه شعر مثل عرف الحصان، فهل ينطبق قانون الصلع والثروة فقط على أهل هونج كونج؟ يخيل إلي انني أعرف الإجابة: طبعا حتى شخص في ذكاء روبي أو هيفاء وهبي، يعرف ان الصلع ليس مفتاح الثراء، ولكن ما يحدث هو ان الانسان وبمجرد ان يصبح لديه مال يفوق حاجاته العادية يصاب بحالة من السعار ويصبح اكثر حرصا وميلا الى جمع المال، ومضاعفة مدخراته وودائعه، وكلما كثر المال كلما ازداد الانسان قلقا وهلعا، والقلق والهلع من مسببات الصلع.. وبالمقابل فإن شخصا مثلي ينام قرير العين حتى بعد ان يسمع ان بورصة كذا وكذا خسرت كذا مليار دولار في يوم واحد وان أسهم الشركة الفلانية سقطت أو نجحت، وأن برميل النفط صار بـ200 دولار أو ببلاش، وكثيرا ما أدخل صفحة بنكي في الانترنت، وأنظر إلى ما عندي من مال فأحس بالرضا والسعادة، رغم أن هناك ما يدفع فوق ما عندي ثمنا لزجاجة واين/ نبيذ «نعم هناك قارورة نبيذ تجد من يدفع فيها 100 ألف دولار.. حار ونار في حلاقيمه».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]