عبد الجليل سليمان

القمح الروسي والخروف الأسترالي


[JUSTIFY]
القمح الروسي والخروف الأسترالي

كم هو مثير للحنق والرثاء ذلك الخبر المنقول من موقع (روسيا اليوم)، والقائل بأن الحكومة السودانية طلبت من روسيا فتح خط ائتماني تجاري لتمويل واردات مليوني طن من القمح الروسي إلى البلاد.

مثير للحنق لأن كل السودانيين نساء ورجالاً وأطفالاً رُضعاً، يعلمون علم اليقين أن لا حل لخروج هذه البلاد من الضائقة (والخنقة) الاقتصادية إلا عبر ثلاث خطوات، أولاهما محاربة الفساد دونما هوادة ولا رحمة، والثانية استرداد الخدمة المدنية من المتمكنين قليلي الكفاء منعدمي الخبرة وكثيري الثرثرة دون فعل، أما الخطوة الأخيرة وهي الأهم بالتأكيد، ولكنها لن تتحقق ما لم نحقق الخطوتين (ما قبلها)، وهي الزراعة بشقيها النباتي والحيواني.

ليس لهذه البلاد مستقبل إلا بالزراعة، أما هذه (المعمعة) التي يتحدثون عنها ويهرجون بها ليل نهار، من معادن وذهب وبترول واستبرق وأساور وسياحة وخلافه، فهي محض تعمية لصرف الأنظار عن القضية الحقيقة، وهي (لماذا تبدو الحكومة؟) وكأنها عاجزة عن (نفض) الغبار عن الزراعة والمنتجات الزراعية؟

الآن، تريد استيراد القمح الروسي، مثلما استورد الراحل أبو حريرة وزير التجارة الأسبق (لحم الضأن) من أستراليا، وموقف الرجل كان حينها مبرراً، وأثر بفعله هذا في السوق المحلي وضرب التجار الجشعين ضربة معلم، وسرعان ما عادت أسعار اللحوم إلى الاستقرار والتوازن بعد (كم باخرة مليانة لحم ضان أسترالي).

دعونا من الماضي، ولنناقش موقف الحكومة الراهن، فإذا كانت تتوفر على إرادة حقيقية لإحداث نهضة تنموية كبرى في القطاع الزراعي بشقيه، فلم لا تفعل؟ والسودان أحد أكبر ثلاثة بلدان أفريقية مساحة وأحد أكثر دول العالم وفرة في المياه والأراضي الصالحة للزراعة؟

للأسف، ليس أمامي من خيار غير القول إنه لا توجد إرادة حقيقة للتنمية، إذ هناك من يعملون على إيقافها وتعطيلها من المضاربين في أرزاق الناس و(المسمرين) في مقدرات البلاد من هؤلاء المتغلغلين داخل عظم الخدمة المدنية، وهؤلاء هم من يفرضون الأتاوات والرسوم والجبايات ويأتون بالتقاوى الفاسدة حتى (يطفشون) المزراعين وينعموا هم بعمولات استيراد السلع الاستراتيجية! حتى ولو كان ذلك على حساب الوطن برمته.

وإلا ما الذي يجعل تكلفة إنتاجنا عالية جداً والماء متوفر والأرض الخصبة تسع كل العالمين، وتُنبت كل الحبوب، ما الذي يجعل إنتاجنا قليلاً وفرصنا في المنافسة ضعيفة؟ ما الذي يجعل زراعة القمح في بلادنا عاجزة عن تغطية الاستهلاك المحلي الذي يتجاوز مليوني طن سنويا، ولا نستطيع أن نوفر منه إلا ما بين 12 إلى 17%.

ليس ثمة تفسير للأمر غير غياب الإرادة الحقيقية التي لا تريد التغيير إلى الأفضل، ولا تريد أن (تهبش) المفسدين والمتمكنين الذي خربوا البلاد وعاثوا فيها الفساد.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي