التطـــرف الــرياضي

وقديما قيل أن (( العقل السليم في الجسم السليم )) وكأن الرياضة كانت أصلا من أجل تقوية الجسوم وللمحافظة على سلوك قويم متوازن يجعل العقل أكثر سلامة وتوقدا .. لكن الرياضة قد تحولت من ممارسة لكل الناس الى رياضة تنافسية يكون المناصرين فيها أكثر من الممارسين لها .
وهنا يحق للمرء أن يتعجب ويندهش حالما يجــد الرياضة قد حولت الناس الى جماعات (( متطرفة )) في المناصرة وهــم في مناحي بلد واحد .. فبدلا من المحبة والوئام نجد البغضاء والخصام .. كما نجد أن صفات البغضاء والكراهية والكيد قد سادت وأصبح الناس فرقانا وجماعات وألوانا وكلٌ يغني على ليلاه ..
لا ضير في أن يكون لكل شخص لون يناصره ويحبه ولكن أن تحب ناديا معينا يجب أن لا يكون مدعاة لكراهية نادي آخر .. أو جماعة أخرى لمجرد أنها تنافسك في المجال الرياضي .. بينما أن المنطق والواقع يقول أن النادي الذي أناصره لا يكون قويا إلا بقوة خصمي الذي يزيدني قوة من خلال التنافس الشريف والعفيف ..
وحتى وإن انتصرت عليه فإن هذا النصر يكون نصرا معنويا .. وبناءا على ذلك سيمنح النادي الفائز (( كأسا )) ربما تكون من ( مادة لا قيمة لها ) إلا القيمة المعنوية التي أشرنا لها .. والتي هي في خــاتمة المطاف تكون قيمــة نسبية وليست مطلقــة .. فانتصار فريق في مبارة معينة لا يعني ذلك أبدا تفوقه .. لأن لكل مبارة ظروفها وأحداثها .. فمن ينتصر اليوم قد ينهزم غدا .. وهذه هي دورة المستديرة .
لأن البطل في بلد معين قد لا يكون بقـــوة بطل آخر في بلد آخر .. وقد لا يــقوى هذا البطل الى تحقيق نتيجة مقنعة في أي تنافس خارجي رغم أننا نتقاتل ونتحزب ونتطرف في مناصرته … بل أننا في أحايين كثيرة نستعين بكل عبارات السباب والشتم والتبخيس ورمي الآخرين بالباطــــــل وننسج الأقاويل والأباطيل والأكاذيب للطرف الآخر بقصد التقليل من مكانته وشأنه ..
والغريب أننا ومن خلال ولاءنا لنادي معين نكون من مناصريه ومنذ أمد بعيد وقد لا نتزحزح عن هذا الولاء سنين عــددا .. وفي هذه المدة الطويلة يكون النادي قد تغير في كل شيء بدءا من لاعبيه وإدارته الذين أحببنا النادي من أجلهم .. وكأننا نناصر في حقيقة الأمر شخصا معنويا لا وجــود له في حياة الواقع لكنه حب تجاه اللون والاسم وكل ما من شأنه أن يشير لذلك .
مما يعني أننا في حقيقة الأمر لا نقوى على تغيير شيء في النادي الذي نناصره .. بل أننا لا نستطيع أن نعترض حتى على أبسط الأمور فيه .. وقد نُمنع حتى من دخول النادي في أحايين كثيرة رغم أننا نتقاتل من أجله .. وربما لن يعبأ بنا أحد أو حتى أن يدرك ما نحن فيه من مقاتلة ومعاركة من أجله .
وكثيرون في حقيقة الأمر لا يملكون بطاقات عضوية في النادي الذي يناصرونه ويتقاتلون من أجله .. بل أنك تجدهم في أحايين كثيرة في حمية تفوق حتى الذين يمارسون اللعب كلاعبين أو إداريين أو نحو ذلك ..
وكثيرون من هؤلاء ربما لا يشاهدون حتى المباريات ويكتفون بالاستماع إليها من خلال المذياع أو جهاز التلفاز أو من خلال الصحف والوسائط الناقلة وربما تجد هؤلاء أكثر شراسة في المناصرة من غيرهم كم ممارسيها داخل الملعب .
كما أنا يمكن أن نجد أيضا مثل هؤلاء حتى بين الذين يعيشون خارج أحضان الوطن باعتبار أن هذا اللون من المناصرة يحقق لهم نوعا من التوازن النفسي الذي يعانون منه في أحضان غربتهم .. بل تعتبر هذه المناصرة بعض سلوى يجد فيها هؤلاء بعضا من أدوات التعبير عن النفس وقضية يتبنونها وربما تعني لديهم نعمة الانتماء المفقود …
لكن المتتبع لهذا الأمر بنوع من الحذاقة والتبصرة والتأمل الواعي يجد أن الكـــثيرين من هـــؤلاء (( المتطرفين )) وغيرهم من القوم هم حقيقة الأمر قوم تحركهم أدوات الإعلام المختلفة .. يميلون معها نحو اليمين تارة ونحو الشمال تارة أخرى تماما كالدمى .. وهم لا يملكون من الأمر شيئا وهم لا يشعرون بما يفعلون من شدة الغيبوبة التي هم فيها .
ولو أنهم عقلوا الأمر وأدركوا أن الأمر كله نوع من اللهو البريء الذي لا يتطلب هذه الحمية والمشقة والعنت الذي هم فيه .. لتقبلوا الأمر ببساطة وجه وأدركوا كنه الرياضة وأهدافها السامية التي تقوم على المحبة وسماحة النفس والمشاعر .. وحب الآخر وإرخاء الجانب وإشاعة الوئام .
ولعلنا نجد في المقولة الشهيرة (( خلي روحك رياضية )) أبلغ إشارات لقيم الرياضة وما تدعو إليه من الحبة والسمو .. كما أن هذه المقولة يمكن أن تكون ميزانا يؤكد مدى بعدنا عن الأهداف والمرامي التى حاد الكثيرون عنها .. والذين ضلوا الطريق إليها ..
لكننا ورغم كل ما قلناه فإننا لا ندعوا الناس الى الحجر على ميولهم لأن الميول نوع من الاختيار الواعي .. وهو نوع من المزاج الإنساني العام والتذوق الوجداني الجميل .. لكننا في ذات الوقت لا نريد أن يستغرق هذا الوضع بؤرة تفكير الجماعة والفرد وأن يتحول الناس من رياضيين الى جماعة من الغوغاء تنعق عند كل محفل بمجرد أن يكون الصراع صراعا للألوان .
لأن هذا الصراع الواهم مهما كان لونه لهـــو صراع بين الأشقاء الذين هــم من بلد واحــد وطينة واحدة وما يجمع بينهم أكبر بكثير مما يمكن أن يفرق بينهم وأن الرياضة بأي حـــال من الأحـــوال لا يمكن أن تكون سببا لهذه الحمـــية التي تقــــود الى هـــذه الفرقة وهـــذا العـــداء والكـــم الهائل من البغضـــاء .
والغريب أن هذه الحمية وهذا التطرف الرياضي قد حجب الأعين في أحايين كثيرة للخلط بين ما هو قومي ووطني عن الهم الوطني الذي كان ينبغي فيه أن تذوب الولاءات الضيقة على حساب الولاء للوطن وهذا في تقديري عرض لمرض كبير .
صحيح أن هذه الحمية موجودة في كثير من الدول الأخرى .. لكن وجودها في أماكن أخرى لا يجعلها سلوكا قويما .. أو فعلا يمكن تبريره .. حتى هذه الدول التي نستشهد بها في أحايين كثيرة هي دول يموت فيها الولاء الضيق أما الهم الوطني الكبير ..
لكننا هنا لسنا معنيين بموضوع الوطنية بقدر ما أننا نعني (( التطرف الأعمى )) في الولاء والمناصرة والذي يبعدنا كثيرا عن الرياضة وأهدافها ومراميها السامية التي تدعوا للمحبة والإخاء .. والتي أضحت قضية أخلاق وسلوك .. وفي هذا يقول الشاعر :-
صلاح أمـــرك للأخـــــلاق مرجعــــه …. فـقـــــوم النفــس بالأخـــــلاق تستقـــم
لكن المسؤولية الحقيقية تقع على أعتاق بعض الإعلاميين الهلاميين الذين شوهوا الممارسة وأفرغوها من مضمونها بقصد أو دنما قصد وحولوها الى لون من الهوس المحموم الذي إنتهى الى بروز جيل من المهجنين عدائيا .. لممارسة لون من البغضاء والكره وضيق الأفق الأهوج .. مجندون خلف أهداف واهية وعناوين براقة تخفي خلفها حمية بغيضة ..
——————–
ملء السنابل تنحني بتواضع ……. والفارغات رؤوسهن شوامخ
——————-
ولنا عودة[/ALIGN]
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو )
shococo@hotmail.com