مكي المغربي

البلدوزر حميدة والسند الرئاسي ..!

[JUSTIFY]
البلدوزر حميدة والسند الرئاسي ..!

للرئيس البشير أسلوب خاص في القيادة بمنح بعض المكلفين بملفات محددة سندا رئاسيا مباشرا، وقد يبدو لبعض الناس أن البشير يمنح هذا السند بسبب قرب هذا الشخص منه أو بمن يتوددون لصالحه ويسوقون إنجازاته تحت سمعه وبصره. وهذا تقدير خاطيء جدا لذكاء البشير وطبيعته اللماحة للمفارقات والقناصة لمحاولات “اللف والدوران”، وكونه يغض الطرف ويمرر ويمشي لا يعني أنه قد انطلت عليه الحيلة!
السند الرئاسي المطلق الذي يناله حاليا مأمون حميدة، ناله من قبله – في ظروف وأسباب محددة – المهندس اسامة عبد الله، والفريق صلاح قوش، وحتى علي عثمان نفسه الذي قال عنه البشير من قبل … على عثمان لو قسم على أهل الأرض لوسعهم… والقائمة تطول وهنالك شخصيات غير مشهورة … نالت السند وأدت مهمتها و”كمنت” في انتظار الإشارة!
قد يبدو في خطابات الرئيس المرتجلة انها وليدة انفعال أو إعجاب، ولكن في حقيقة الأمر هذا الحديث محسوب ومختبيء وجاهز عند اللزوم، خاصة عندما يشعر الرئيس أن الشخص المعني بالانجاز يتعرض لحملات مستمرة من بعض الدوائر واللوبيات المتضررة و”إمتداداتها الإعلامية” تمنعه عن القيام بمهمته أو تدعوه للخروج من الموقع “بكرامة البليلة”، حينها ينزل الرئيس بالتقيل “حتى يفهم الناس حاجة”!
موضوع القطاع الصحي في السودان، موضوع كبير وهنالك “ضرورة وطنية” لخصخصة الخدمات الصحية، لأن إقتصاد الدعم بات اقتصادا مشوها وبائرا وغير قابل للتسويق … بل غير قابل للصمود من الأساس، وهذا لا يعني ألا يتلقى المواطن الفقير دعما صحيا من الدولة، ولكن هذا لا يتم إلا بنظام التأمين الصحي والدعم الموجه بإحكام للشرائح المستحقة، أما أن يكون الموضوع “لا حدود له” للدرجة التي يمكن أن تدخل عربية مرسيدس بنز بمريض ثري للغاية وينال علاجا على حساب الدولة بمبلغ يكفي لبناء مركز صحي في أحد المناطق الأقل نموا فهذه … “هرجلة اقتصادية”، ويضاف إلى تكليف مأمون، ملفات أخرى لا يعرفها إلا “صاحب بزنس”، مثل “السياحة العلاجية والدوائية” التي تجلب للبلاد عملات صعبة و”بريستيتج اقتصادي” لا يقدر بثمن..!
كيف يتم هذا؟ لا بد من الإطاحة بمفاهيم قديمة للدولة الأبوية الكبيرة المتكفلة بكل شيء … لا بد من انحسار الدولة عن مساحات محددة للقطاع الخاص ولكن “المفاهيم القديمة” مثل الأصنام لديها سدنة يعبدونها ولديها سحرة يجنون من وراءها مكاسب مادية أو أدبية ومعنوية، والمهمة ليست سهلة أبدا … بعض الذين يمارسون “التنظير” حاليا ويجدون تسامحا من “السدنة” لو تولوا المسئولية لانكشف لهم الوجه الآخر للمتسامحين معهم!
العقيدة الإشتراكية التي أدخلها الشيوعيون في السودان تغلغلت في كل قطاعات الشعب السوداني بما في ذلك الحركة الإسلامية ذاتها التي تردد قواعدها أحيانا من ينطق به الشيوعيون (من هم في الحزب ومن تساقطوا عنه!) حرفا حرفا، أنا هنا لا أتحدث عن حزب محدد، أنا أتحدث عن “عقلية جماهيرية” أسسها الحزب منذ الستينات … عقلية رافضة لانحسار دور الدولة المباشر في تقديم الخدمات المجانية “للجميع”!
بروف مأمون حميدة انتدب لمهمة محددة، وقد شرع فيها بطريقته وأسلوبه، ومن العسير بل المستحيل أن يتغير شخص في طريقة التعبير عن مواقفه بعد أن تقدم به العمر، التغيير يحدث للجيل الذي لديه طموحات سياسية ويجد نفسه مجبرا لتغيير شخصيته وتصرفاته حتى يجد لنفسه مساحة للقبض بصولجان السلطة!
للأسف … هنالك قصور عام في تفهم السياسات الاقتصادية المطلوبة، والحكومة نفسها مقصرة في إخراجها بالشكل المفهوم … وأذكر جيدا عندما أبرز البشير كتاب الخطة الإسعافية الذي يشمل إصلاحات محددة إبان أحداث سبتمبر الشهيرة وتساءل “من من الإعلاميين قرأ هذا الكتاب؟!” تساءلت أنا وهل عقدت وزارة المالية جلسة تنويرية واحدة حوله ؟!
عندما أعدت قراءة الكتيب وجدت بنودا واضحة عن دعم وتوجيه “الإعلام الإقتصادي” لرفع مستوى الوعي الوطني حول هذه السياسات، وهذا يعني أن الحكومة نفسها لم تنفذ الشق الإعلامي ضمن الإصلاحات ثم نفذت “زيادات الأسعار” في مجتمع غير مؤمن بها، وحتى الآن “ربكة المفاهيم” هي التي تضطر البشير للتدخل المباشر “بدون ساتر”، بعد اصرار اللوبيات على تحدي الدولة، ولو كانت هنالك رسالة إعلامية كاملة وشاملة وسلسة ومنسابة لما كانت الأجواء بهذا التوتر والرفض الذي يمضي لصالح المعسكر القديم ..!
لو درست الإنقاذ جيدا، أين هي الآن، وما هي الأمور التي تريدها وتواجه رفضن جماهيرين أو خاصن؟ ولماذا؟ وما هو المخرج؟ لوجدت من قطاعات واسعة تجاوبا أفضل ولقدمت هي الحماية للدولة في تنفيذ خططها!
[/JUSTIFY]

نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني