السودان وحقوق الإنسان.. “أشوف أمورك أستعجب”
(أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب) مثل مصري معروف ويستخدمه كثير من السودانيين أيضا ، ولو أردنا مقابلته باخر سوداني صميم سيكون ذاك الذي فحواه (بالنهار يسبح وبالليل يضبح) ، وبمناسبة هذا المثل السوداني أذكر أن فقيد الصحافة الكبير الأستاذ سيد أحمد خليفة طيب الله ثراه ، كان قد ملأ السودان وشغل السودانيين بمادة صحفية جعل عنوانها ( بعد العشاء مافي اختشاء) ان لم تخني الذاكرة ، والمادة كانت تحدث عن شخصية مشهورة ومعروفة بل وقيادية بين أخوتها في الحزب، ولم تكن هذه الشخصية تدعي الوقار والورع والتقوى وحدها ، وانما كان كل الحزب يدعي ذلك ، ولكن تشاء الأقدار أن تعري تلك الشخصية فيتم ضبطها ( أنصاص الليالي ) في وضع مخجل ومخل بالاداب …وعلى أية حال فان المثلان السوداني والمصري يعريان بدورهما ما ظلت وما زالت شعوبنا تسمعه من كلام كثير طيب ومعسول من الحكام في مختلف المجالات ، بيد أن هذه الشعوب في حقيقة الأمر وواقعه ، لا ترى على الأرض شيئا مما يقال ، بل للأسف كثيرا ما تري العكس ، أي أن هناك مستويين في التعامل معها ، الأول له علاقة بالقول المجرد الذي يتبدد في الهواء ، والثاني له علاقة بالفعل او بالأحري عدم الفعل ، وهذا التناقض بين التصريحات المشفوهة وبين الواقع المعيش ، يدلّ على أن هناك فرق كبير بين ما يقال و بين ما يتم عمله بالفعل وأن تلك الأقوال ما قيلت الا للاستهلاك …
قبل أسبوع ونيف أحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الانسان ، وبهذه المناسبة وعطفا على مؤدى المثلين اللذين أوردناهما ، فقد تم ( ضبط ) مولانا دوسة وزير العدل رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهو يقول كلاما طيبا ومعسولا على شرف هذه المناسبة ، وكان مما قاله في الخصوص التزام الحكومة بكافة التعهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعهد بالعمل بكل جد واهتمام للقيام بالواجبات الدستورية والقانونية حتى يسود السلام والاستقرار كافة أرجاء البلاد لينعم الجميع بكافة حقوقهم، وأعلن أن العام المُقبِل سيكون عاماً للخطة الوطنية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في السودان والتنفيذ الفعلي لها وفقاً للالتزام القيمي المنطلق من الموروث الفكري والثقافي ، وتماشياً مع التزامات السودان الدولية والإقليمية ومبادئ العدالة والإنصاف الراسخة بعمق في الثقافة السودانية، وزاد بأنه ليس لأحد الحق في انتزاع أي من حقوق الإنسان إلا وفق ما يتطلب ذلك بمقتضى القانون…الخ ما قاله مولانا من مثل هذا الكلام الطيب المعسول ، الذي يبدو أنه قد غسله بصابون أومو الذي يغسل أكثر بياضا وكواه مكوة سيف قبل أن يتحدث به على رأي الأديب عمر الحاج موسى رحمه الله … وان كان لنا أن نعلق على هذا الكلام ( الكبار كبار ) من مولانا فلن يكون غير أن نترك السطور بيضاء على طريقة ذاك الشيوعي الذي قيل أنه كان يوزع منشورا عبارة عن أوراق بيضاء ، ولما سئل عن هذه الطريقة الغريبة قال ( هو الحال دا عاوز كتابة ) ، ولكن فقط سندعو الله أن يوفق دوسة في تنفيذ ما قال ان بقي في المنصب …
[/JUSTIFY]بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي