مكي المغربي

جيبوتي رمانة الميزان في الشرق الأفريقي (2)


[JUSTIFY]
جيبوتي رمانة الميزان في الشرق الأفريقي (2)

في اليوم الخامس لزيارتنا، لم يكن للتعب ولا الرحلة براً وبحراً من الصباح إلى الليل من وإلى “تاجورة” أي أثر، فالقلب ينبض بحب هذا الشعب المتواضع المعتدل المزاج.

في قاعة فخيمة لمركز الدراسات الجديد التابع لوزارة الخارجية، تحدث أو بالأحرى تناقش – الوزير محمود علي يوسف مع الوفد الصحفي الزائر إلى بلاده بإنجليزية راقية لمدة عشرين دقيقة ثم استمع لأسئلتهم وأجاب لمدة عشرين دقيقة وقضى بعدها أكثر من نصف ساعة في مقابلات تلفزيونية متفرقة مع عدد من الفضائيات والوكالات، كان يلتقي العالم كله “بوجه طلق”، وعبارة عذبة والأهم من ذلك أنه شرح قضايا بلاده بمنطق قوي ومستقيم.

تحدث عن أهمية التوازن في محيط متتطاير بالأزمات، وأوضح: “بعد وقت وجيز من استقلال جيبوتي اندلعت الحرب بين إثيوبيا والصومال وبعدها بقليل اشتدت الحرب الداخلية ضد منقستو حتى سقط نظامه، وما إن استقرت إثيوبيا إلا وانهارت الصومال، والآن الجوار اليمني دخل في أزمة جديدة، إذا كان هنالك إنجازات في المنطقة حاليا مثل الحد من القرصنة والاقتراب من انهائها تماما فإن جيبوتي كانت ركنا أساسيا ولولا مساهمتها الفاعلة وشراكاتها الدولية لما استطاع الإقليم برمته تجاوز هذا الخطر الكبير والمخاطر الأخرى التي يتم تحجيمها حاليا”… حديث الوزير صحيح مئة بالمئة!

بل أن الواقع الإقليمي أخطر مما ذكره الوزير، رياح وعواصف شديدة هبت على المنطقة، لقد تزايدت المطامع في جيبوتي بعد فتح قناة السويس أواخر القرن التاسع عشر، بعد احتلال بريطانيا لمصر بعامين فقط احتلت مينائي زيلع وبربرة وعدن وعندها ارسلت فرنسا إحدى بوارجها نحو خليج تاجورة واستمر التنافس إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة. وكما قال لي أحد أصدقائي الأوربيين “شرق أفريقيا غني بالصراعات”، على وزن “غني بالثروات”!

الجوار المحيط لجيبوتي لم يهدأ يوما، بعد الحرب الإيطالية الإثيوبية دخلت المنطقة في ثورات الاستقلال، ثم النزاع بين الشرق والغرب بعد الحرب العالمية الثانية، ثم دوامات من الحروب الأهلية التي لم تكن إلا “تصفيات” لصراعات دولية.

ليس الحرب وحدها، في بدايات الثمانينيات، ضربت سلسلة من المجاعات الجارة الكبرى إثيوبيا مات فيها مليون شخص واستخدم نظام “الدرج” التجويع سلاحا، فاندلعت الحرب الأهلية وانتهت العام 1992 بانتصار الثوار وبدأت أثيوبيا تستقر. ولكن في الصومال، انهار نظام سياد برى عام 1991 وتفككت البلاد إلى بونت لاند في الوسط وجوبا لاند في الجنوب و حركة ثالثة للاستقلال بقيادة “جيش راحانوين”، وإستقلال ذاتي رابع في جالمودج بالإضافة إلى جمهورية أرض الصومال التي تخطو خطوات جادة للانفصال من الوطن الأم.

اليمن شهدت حروباً داخلية متقطعة وحرباً مع مصر، وفي كل الأحوال ظل الجوار اليمني واقعا قبلياً متكدساً بالسلاح الذي يغذي بؤر الصراع في الإقليم. جاءت القرصنة وانحسرت، ثم جاء “الشباب”!

ظلت جيبوتي المعمل السياسي الذي يخرج “وصفات الإستقرار الفعّالة” مع ممانعة في تطبيقها من هنا ومن هناك لكن بقيت “الرمانة” في مأمن من الاقتطاف والاختطاف، بقيت في أيد أمينة وأكسبتها السياسة الخارجية المتوازنة هذه الحالة من الأمن والإستقرار، مما جعلها قوة إقتصادية إقليمية صاعدة.

اختتمنا الجلسة مع محمود علي يوسف بنقاش قصير بالعربية فهو”ابن الفقيه”، ويجيد لغة الضاد، التحية للناطق الرسمي باسم الحكومة وباسم هذا التوازن.
[/JUSTIFY]

نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني