جيبوتي رمانة الميزان في الشرق الأفريقي (3)
الكادر القيادي الشبابي الذي التقيت به في الرحلة أكد لي أن نهضة جيبوتي ليست “مادية” وحسب وأن الاستثمار الحقيقي الذي تقوم به حكومة الرئيس اسماعيل عمر جيلة، في البشر وليس في المنشآت.
قلت لصديقي ومشرف الرحلة، الأستاذ محمد طه توكل “شيخ مراسلي القرن الأفريقي”، انظر وراقب هؤلاء الشباب في طريقتهم في استعراض المعلومات واستخدام “البوربوينت”، واللغة الإنجليزية في بلد فرانكفوني عربي، لم تدخل فيه الإنجليزية إلا مؤخرا وبوصفها لغة خامسة، نعم خامسة بعد الصومالية والعفرية! انظر لدرجة سيطرتهم على الأجهزة وعدم وجود أي أخطاء ولو خفيفة في استخدام التقانة أو درجة ضبط الألوان والصوت، وقبل ذلك انظر إلى ثقتهم في أنفسهم .. شباب جيبوتي نهض وبدأ في تحمل المسئولية!
لقد كان العرض الأول من تقديم الأستاذ محمد عارف مدير التسويق بهيئة الموانيء والمناطق الحرة، عرضا مذهلا في فندق كيمبيسكي، وبعد العرض تسلمنا بطاقات زرقاء مدمجة ظنناها شرائح أو شيء ممغنط لدخول بوابات إلكترونية حديثة، وبعد فترة عرفنا أنها “مخزن بيانات” يحتوي على كل المعلومات التي استعرضها محمد عارف بالإنابة عن رئيس مجلس إدارة الموانيء والمناطق الحرة أبوبكر عمر هادي.
في ميناء جيبوتي التقينا محمد موسى أبار، لا أدري هل هي أبار أو عبار، ويا ليت كل الجيبوتيين كتبوا كروتهم باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك لأن لديهم أصواتا عربية يجيدونها أكثر من بقية العرب، وهي الحاء والعين، من الظلم بمكان أن تتحول عينهم إلى مجرد “فتحة”، أو حائهم إلى “هاء خفيفة”!
المهم أن محمد موسى طبق فينا نظرية” البيان بالعمل” وذهب معنا في جولة في أربع مناطق تشهد التلوث النفطي بسبب شركات توتال وشل، واللتين حكمت عليهما المحكمة بتعويضات واجبة السداد لتنظيف تربة الميناء بلغت قرابة المئتين مليون يورو، نعم “مئتين مليون يورو!” واستنفدت القضية كل مراحل التقاضي وصولا للمحكمة العليا الجيبوتية وشهدت مرافعات وحملات دفاع مستميتة من الشركات الدولية.
في “هورايزن جيبوتي” للبترول كان المدير العام للميناء حسين أحمد حسين، تقديري له أن عمره بالكاد خمسة وثلاثين سنة، وهو مثل غيره يتميز بالفرنسية والإنجليزية، وقدم بها عرضا مصورا و”محوسبا” ممتعا للغاية.
في ميناء دورالي للحاويات الذي تديره موانيء دبي العالمية التقينا بالشاب الإماراتي نواف ناصر الرئيس التنفيذي للميناء، والشاب الجيبوتي وراسما حسن علي المدير التجاري، وكلاهما في أواخر العشرينات ولديهما مسئولية ضخمة، ويشرفان على ميناء أو رصيف طويل ينتهي في المنطقة العميقة ويتسع ليشمل عددا من الرافعات ومئات الحاويات ومئات العمال، وحركة ضخمة من البزنس. المنصة التي اعتلاها نواف ومن بعده وراسما أكدت أن الشراكة الإماراتية الجيبوتية تنتمي إلى المستقبل، شباب نابض بالحيوية يتحدث بثقة ومعرفة عن أعمال توسعة للميناء بملايين الدولارات، إنه شباب مؤتمن على المال والعمل.
مدير السياحة، محمد عبد الله واعظ، أو واعز ولكنها تعني “الملاك” في الصومالية، لقد أخذنا حفيد الملائكة هذا بالبحر من تاجورة، التي جئناها بعد رحلة برية شاقة من عبر بحيرة الملح والطريق الصخري، أخذنا إلى قطعة من الجنة، وهي منتجع الرمال البيضاء، وتأخرنا ليلا، لنشق البحر عودة إلى المدينة، في زوارق تمتحن قوتك وشبابك، زوارق ترتفع مقدمتها عن البحر قرابة المترين، وكأنها تطير في السماء وقدمها في البحر، وليس أمامك إلا أن تمسك بالسواري بقبضة حديدية …. ولكنها لحظات ممتعة للغاية.
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني