سقوط مولود .. !!
:: ولو عاقب المجلس الطبي، أكرر ( لو) عاقب، لن تتجاوز دائرة العقاب الطبيب وكادر التمريض إلى دائرة المدير العام ومساعد المدير العام والمدير الطبي وغيرهم من الذين نسميهم – مجازاّ – بالمسؤولين.. وكما تعلمون، فالعقاب في بلادنا – في حال تنفيذه- لا يطال ذوي المناصب القيادية والوظائف العليا، رغم أن هؤلاء هم ( أس الأزمة) و( أصل البلاء).. ثم أن المجلس الطبي – حسب تجارب كثيرة ومؤلمة- كثيراّ ما يكتفي بالخطأ الطبي و كثيراً جداّ ما يغض الطرف عن الخطأ الإداري.. وما حدث لإيهاب وزوجته ومولدهما من الأخطاء الإدارية الخطرة والقاتلة، وليس من الأخطاء الطبية.. فالحالة لم تصل مرحلة الطبيب بحيث يقع المولود من يده على الأرض في غرفة العمليات ويصبح الخطأ طبياً، ولكن وقع المولود على الأرض – خارج غرفة العمليات – في مرحلة (الإجراءات الإدارية).. !!
:: وتلك هي الحقيقة المؤلمة في كل مشافي البلاد، وليس في الدايات فقط..أي، أكبر كوارث المشافي في بلادنا هي ( الإدارة).. الإدارة وليس المال أوالطبيب.. إدارة المشافي فرع من (علوم الإدارة)، وعلم يُدرس بالجامعات والمعاهد العليا..يتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع (الفريق الطبي)..ولكن هنا في السودان – والحمد لله على كل حال يأتون بإستشاري أمراض القلب أو باختصاصي النساء والتوليد ليشغل منصب ( مدير عام) و ( مدير إداري) و (مساعد المدير العام)، وغيره من المواقع الإدارية.. وبترسيخ هذا النهج المتخلف، تكون أوجاع الناس والبلد قد فقدت نطاساً بارعاً في عالم الطب، وذلك بتحويله إلى ( إداري فاشل).. نعم مشافينا تعاني من أزمة المال، ولكن الأزمة الكبرى هى أزمة (إدارة متخصصة).. فالإدارة المتخصصة هي التي تدير وتوظف المال المتاح لصالح (الطبيب والمريض)، والعجز عن التوظيف الصحيح للمال هو الفشل الإداري الراهن ..!!
:: قبل عام، ناشدنا بنقل تجارب الآخرين ..وإدارة المشافي بشركات كوادرها درست علوم الإدارة ليست بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية وتخصصاتها، ولكن مجرد الإقتراح بهذا النوع من الإدارة الحديثة قد يعد نوعاً من الجنون في بلاد العالم الثالث ( والأخير طبعاّ).. فالتقوقع في نُظم حياة القرون الوسطى هو الأصل الراسخ في عقولنا، وإطلاقاً لم – ولن – تُحدق هذه العقول في تجارب الآخرين الناجحة وتواكبها..ولذلك، قزمنا الطموح وناشدنا بأن تًدار المشافي بواسطة الذين درسوا وتخصصوا في ( علوم الإدارة)، وليست بواسطة الذين تخصصوا في (المخ والأعصاب) أو ( المسالك البولية)، أو كما يحدث حالياً..ومع ذلك، لم ولن يسمعنا أحد..وعليه، ترقبوا الكثير من الكوارث الإدارية التي من شاكلة سقوط المواليد على الأرض..!!
السوداني
خ.ي