مصطفى أبو العزائم

بداية صحيحة.. وإن تأخرت..

[JUSTIFY]لا أحسب أنني كنتُ وحدي الذي يقاوم إحساساً طاغياً بالفرح والفخر معاً مساء الأحد الرابع من يناير الحالي، داخل القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة في الخرطوم.. كثيرون غيري كانوا يعيشون رهبة العرس الثقافي الكبير، الذي إقترن بإحتفالات بلادنا هذا العام بذكرى الاستقلال المجيد.

المناسبة العظيمة، أبكت البعض علناً دون مواربة أو مداراة للدموع، مثلما حدث لكريمة أستاذنا الباحث الراحل المقيم الطيب محمد الطيب «رحمه الله»، وجعلت البعض يحبس إنفعاله، لكن دموع الداخل كانت تبلل الحنايا، وتغسل الأحزان، وبعض من ذلك الحضور المهيب إنفعل الى درجة الإشتعال الداخلي فأخذ يصفق ويدّفي ليل الخرطوم البارد ذلك المساء.

هيئة الخرطوم للصحافة والنشر، تحتفل بتدشين مائة عنوان كتاب في الثقافة السودانية.. حق لمدير الهيئة الشاب الأستاذ غسان علي عثمان، أن «يقول» وسط «الدارة» القاعة، فالعرس كبير.. رعاه والي ولاية الخرطوم الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر، وكان شاهده الرسمي الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية، ومفاجأته السارة ذلك الحضور الباذخ للشيخ الأستاذ علي عثمان محمد طه، بينما كانت تميمة ذلك الحفل الذي أبهج الدواخل والعقول، ذلك الخطاب الراقي الذي جاء بلغة مختلفة، وغير معتادة على مسارح السياسة، خطاب الأستاذ محمد يوسف الدقير، وزير الثقافة والإعلام والسياحة بولاية الخرطوم، والذي ما أن غادر منصة الخطابة. حتى تبادل عدد من الناشطين المهتمين بشؤون الأدب والثقافة النقاش حول كلمته في مواقع التواصل الإجتماعي، فقد جاء خطابه «سياسة من دون وجه السياسة»، جاء خطاباً ثقافياً يجمع بين الناس ولا يفرّق.

الأستاذ علي عثمان محمد طه، أطلق الفكرة ورعى البذرة حتى أثمرت ـ تقبل الله منه صالح العمل ـ وإهتم بالمتابعة الدكتور الخضر بعد أن طرح عليه الأستاذ الطاهر حسن التوم، المدير السابق لهيئة الخرطوم للصحافة والنشر، مقترحاً بطباعة عدد من الكتب لمؤلفين سودانيين.. وكانت تلك هي البداية، بل قل كانت هي الشعلة التي أضاءت الطريق، مع كل منعطفاته الصعبة، وأرضه غير المعبدة، وممراته غير المستوية.

الآن نستطيع القول أن الحكومة السودانية، وهي أحد مكونات الدولة، إنتبهت للعلاج الذي يمكن أن يقضي على أزماتنا، فإبتعاد المثقفين عن المشهد العام، وغياب خطابهم الذي يتجه نحو الوجدان، أفسح المجال للخطاب السياسي الجاف، الذي يبعَّد أكثر مما يقرِّب بين الناس، وتكون فيه الكلمة سلاحاً مستفزاً للآخر، ومن خلاله تتوتر الأجواء وتسوء الأوضاع، ويحدث التطور السلبي الذي قد يصل الى درجة حمل السلاح.

أفعال ثقافية متعددة شهدتها بلادنا في أسابيع قليلة، وبالأمس تم إفتتاح مهرجان الثقافة السادس، وفي الأسابيع القليلة ينطلق المهرجان الثقافي العربي الأفريقي الأول وقد شهدت آخر إجتماع تحضيري لإنطلاقة العمل الكبير المرتجى برئاسة الوزير الشاب المنفتح على الآخر الأستاذ الطيب حسن بدوي وزير الثقافة، وذلك بحكم عضوية تشرفت بها في اللجنة التحضيرية.

دعوا الثقافة تتقدم لصالح السلام والاستقرار والتنمية، وليتراجع الخطاب السياسي الحاد، الى الوراء، لأننا نريد الذي يجمع لا الذي يفرق..

صحيفة اخر لحظه
[/JUSTIFY]