(يوميَّات رئيس تحرير)!
سأحكي لكم أعزائي القراء، كيف مضى يومي أمس. ومن خلال السرد، ستعرفون مدى ما نعانيه، حتى تصلكم هذه الصحيفة كل صباح.
لأنني أسهر إلى ما بعد منتصف الليل، وإلى الساعات الأولى من الصباح، كما يقول أستاذنا أحمد البلال، كنت حريصاً على ألا يغريني دفء الغرفة بمواصلة النوم، وألا يُرهبني زمهرير الشتاء، بعدم الخروج من المنزل في توقيتٍ صباحيٍّ باكر.
كان عليَّ أمس، أن أقضي جلَّ يومي بين المحاكم والنيابات ولجان الشكاوى!
في محكمة الصحافة بنمرة 2، كنتُ على موعد مع مجريات قضيَّتَيْن استمرتا لأكثر من ستة أشهر. قاعة المحكمة كانت مزدحمة بالصحفيِّين والمحامين والشاكين، حتى أنك لا تجد مقعداً يمكِّنُك من الانتظار!
حتى رئيس اتحاد الصحفيِّين، صديقنا الصادق الرزيقي، كان هناك ضمن المنتظرين لدورهم في المحاكمة.
كنت قَلِقَاً من تأخُّر الجلستَيْن، حيث كان عليَّ الذهابُ لنيابة الصحافة في الواحدة ظهراً، قبل أن أضطرّها لإصدار أمر قبض في ثلاث شكاوى ضدَّنا، الطاهر ساتي هو القاسم المشترك بينها!
ذهبت إلى مباني النيابة، بعد انتهاء الجلستَيْن، وأدليتُ بأقوالي في ثلاثة بلاغات نشر، وكنتُ قَلِقَاً أيضاً، لأنني كنتُ على موعد ثالث مع لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة!
غيابُنا في مرات سابقات عن استدعاءات لجنة الشكاوى لأسباب متعددة، ترتبت عليه عقوبات قاسية، وصلت حد إيقاف الصحيفة عن الصدور لعدة أيام!
لن تصدِّقَ عزيزي القارئ، إذا قلنا لك إن الصَّحفيين في ما ينشرون على صفحاتهم، مُعرَّضون للمساءلة القانونية والإدارية من أربع جهات، وفي مرات قد تصل لخمسٍ إذا تدخَّل جهاز الأمن بالاستدعاء!
في موضوع نشر واحد، قد يخضعُ الصحفيُّ ورئيس التحرير للمساءلة والمحاكمة عبر نيابة ومحكمة الصحافة.
وإذا نُشرَ الموضوع على الإنترنت يُساءلان ويحاكمان في نيابة ومحكمة المعلوماتية.
يضاف إلى ذلك، وجود لجنتَيْن للمساءلة والمحاسبة بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات وباتحاد الصحفيِّين.
رؤساء التحرير يجدون أنفسهم في أحيان كثيرة يقضون أغلب أيام الأسبوع لا في اجتماعات التحرير ولا في مراجعة المواد ووضع الخطط لتطوير صحفهم؛ ولكن في المحاكم والنيابات ولجان التحقيق.
نعم.. الصحفيون ليسوا محصَّنين من المساءلة والخضوع للقوانين واللوائح المنظِّمة لعملهم؛ لكن في المقابل، من الظلم والجور أن تتم استباحتهم إلى هذا الحد، بأن تتعدد جهاتهم العقابية!
البعض يستخدم ضد الصحفيِّين أسلوب العقاب بالإجراءات (أمشي وتعال)، مثل ما حدث في قضية صحيفة (الصيحة)، إلى أن اختار رئيس تحريرها وهو عضو شبه دائم في أمانة الإعلام بالحزب الحاكم، حقَّ اللجوء السياسي ببريطانيا.
هناك من الأفراد والجهات، من يقوم بفتح البلاغات لإيقاف استمرار النشر في القضية المحددة، وهناك من يفعل ذلك لرد اعتبار معنوي مؤقت، وما إن تمضي الأيام حتى ينسحب الشاكي من قضيته!
من حقِّ أيِّ شخص أو جهة اعتبارية، أن يحتكما للقانون، إذا لحق بهما ضرر في سمعتَيْهما، جراء نشر جائر؛ لكن من المهم أن يتم ذلك في إطار منطقي وأخلاقي، لا يجعل من الإجراءات وتعدد الجهات جزءاً أو بديلاً للعقاب!
[/JUSTIFY]
صحيفة السوداني