جعفر عباس

ليس في الأمومة ما يُخجِل


[JUSTIFY]
ليس في الأمومة ما يُخجِل

وجهت قبل سنوات التهنئة القلبية إلى السيدة الباكستانية كورشيد بيبي، لأنها كانت تتوقع «بيبي»، وكانت وقتها حاملا في شهرها الخامس، وقد عوّلت على توصيل التهنئة على جماعة طالبان باكستان، لأنهم أكثر أهل بلاد الحبيبة كورشيد إلماما باللغة العربية، وقلت في التهنئة: شدي حيلك، والله يعينك، ويلهمك الصبر والعزيمة، وكانت السيدة كورشيد بيبي بحاجة إلى مثل تلك الدعوات الصادقة، بأن تمضي بقية شهور الحمل بسلام، ذلك أن «وضعها» كان «خاصا جدا»، كما أنها تحس بالخجل لكونها حبلى، ولم يكن هناك ما يبرر أو يستوجب ذلك الخجل، لأنها امرأة شريفة وذات سمعة طيبة وكان زوجها أحمد بيبي سعيد بأنه سيصير أبا، بل ويتباهى أمام الأقارب والجيران، ولاحقا وسائل الإعلام بأن حمل زوجته دليل على فحولته!!
والحكاية باختصار هي أن كورشيد بيبي هذه تزوجت من عمو أحمد قبل 80 سنة فقط لا غير، يعني يا أبو مخ تخين صارت حبلى وعمرها 80 سنة، واكتشفت ذلك بعد أن عانت من آلام خفيفة متكررة في البطن، ولم يجد الأطباء بها علة، ولكن طبيبة شاطرة اسمها فاطمة ثريا استنتجت أن الأعراض التي تعاني منها السيدة بيبي تشبه أعراض المرأة التي تتوقع وصول «بيبي/طفل» فأخضعتها لعدة فحوصات أكدت كلها أن في رحم بيبي، بيبي! وأظن أنكم فهمتم الآن لماذا أحست هذه السيدة بالخجل: ماذا أقول لأحفادي؟ نعم فقد أنجبت عيالا في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ثم توقفت عن الإرسال، وصار عيالها آباء وأمهات، وصار عيال عيالها كبارا متزوجين، وبينما هي تتأهب لتفرح بعيال أحفادها جاءت تأكيدات أنها قد تسبقهم إلى الإنجاب (كنت في الصف الثالث في المدرسة الابتدائية عندما رأيت خالي محمد رحمه الله يدخل فناء المدرسة وهو على ظهر حماره، وأحد المدرسين من ابناء بلدتنا يتوجه لتحيته ثم يتوجه نحو غرفة الدراسة التي كنت أجلس فيها ويقف عند الباب ويقول بصوت مرتفع: جعفر.. أمك ولدت.. يللا روح البيت، وظلت هذه الجملة تطاردني حتى المرحلة الثانوية).
والشاهد هو أن بعض النساء يشعرن بالحرج لأنهن حوامل، إما لكون الحمل حدث بعد أشهر معدودة من آخر ولادة، أو لكون الواحدة منهن تعتبر أنها «كبرت على الولادة»، ففي هذا الزمن العجيب صرنا نسمع كلاما من قبيل: هذا الولد جاء «صدفة»، ولم نكن نخطط له، هذه البنت جاءت على الرغم من كل الاحتياطات اللازمة لمنع الحمل! فهذا زمان الحمل والإنجاب باستخدام الكتالوج والآلة الحاسبة: طيب لما البنت الكبيرة تكون في الثانوية، الولد راح يكون في ثاني متوسط، والبنت الصغيرة حتكون في خامس ابتدائي.. وإذا قلنا إن فاطمة ستحتاج إلى 120 ألف ريال للدراسة الجامعية فإنه لا سبيل لجعل سعدون يواصل الدراسة بعد الإعدادية.. البركة في عزوز اللي يمكن أخته فاطمة تصرف عليه بعد ما تكمل الجامعة وتشتغل! بس افرض أنها تزوجت من رجل قحة و«جِلدة»، ولم يعطها حق التصرف حتى في راتبها الشخصي؟ عند هذه النقطة يبدأ القلق حتى لو أحست الزوجة بحرقان أو حموضة ناتجة عن تعاطي شوربة عدس.
كورشيد تحس بالخجل لأنها حامل وهي في الثمانين ويمكن أن نتفهم خجلها، ولكن ما قولكم في السيدة الهولندية التي جن جنونها بعد أن رزقت بمولود وهي في الثلاثينات، ولجأت إلى القضاء، متهمة طبيبة بأنها سبب «البلوى» المتمثلة في إنجابها لطفل، لأنها لم تحسن زرع مانع الحمل الذي زودتها به، وقضت المحكمة بأن تتولى الطبيبة الإنفاق على الطفل مدى الحياة!
أحيانا يخامرني ما يشبه اليقين بأن الغربيين «بهائم»، ولكنني أنظر إلى مخترعاتهم
واكتشافاتهم وأقول: ما يصير!.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]