مصطفى أبو العزائم

الدكتور غازي صلاح الدين والاستبداد

[JUSTIFY]
الدكتور غازي صلاح الدين والاستبداد

عندما تلقيت على حسابي الخاص في أحد مواقع التواصل قبل أيام قليلة مقالاً بعنوان (من نماذج مأسسة الاستبداد) كان ممهوراً بتوقيع الدكتور غازي صلاح الدين، حسبت أن المقال مدسوس عليه، وإن كانت اللغة لغة الدكتور، والمفردات المستخدمة هي عين مفرداته التي يستخدمها.

هندسة المقال تشي بطريقة متقنة في البناء اللفظي، وإن كانت تبعد كثيراً عن الإتقان في إعداد الهيكل المنطقي، للتناقض الكبير بين موقفين مبدئيين لكاتب المقال الذي كنت أحسب أنه منسوب للدكتور غازي صلاح الدين، ثم تأكدت لاحقاً من صحة نسبته له بعد أن أطلعت عليه كاملاً في موقع (الجزيرة نت) وكانت خلاصته في كلمات قليلة وموجزة هي أن السودان يشهد الآن انقلاباً دستورياً في وضح النهار، بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.

أحترم كثيراً تجربة وعطاء وكسب الدكتور غازي صلاح الدين، وسعة أفقه، وثقافته المترامية نحو المعرفة بلا حدود، وأرى دائماً أنه نموذج إيجابي للطبيب الذي يعمل بالسياسة، ويبدأ بتشخيص العلل ومداواتها إما بالتطبيب وإما بالجراحة إن استدعى الأمر استخدام المشارط المؤلمة، لكنها تستأصل الداء وتزيل الوجع.. ومثل الدكتور غازي صلاح الدين في ذلك مثل أطباء كبار عملوا بالسياسة في بلادنا ونجحوا في ما أوكل لهم من مهام، من أمثال الدكتور الجزولي دفع الله، والدكتور حسين سليمان أبو صالح، والمرحوم الدكتور مجذوب الخليفة، والبروفيسور غندور، والدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وغيرهم.

وأما عن التناقض الذي أشرنا إليه بين موقفين إثنين للدكتور غازي صلاح الدين، فإننا رأينا ذلك بوضوح وجلاء عندما قارنا بين موقفه الحالي الذي وصف فيه التعديلات الدستورية بالانقلاب الكاسح والقفز الفوقي عن كل مكتسبات تجربة الحكم والإدارة في السياسة السودانية، بما يعني تكريس كل السلطات في يد رئيس الجمهورية الذي أصبح بذلك الطرح الذي قدمه الدكتور غازي (ديكتاتوراً دستورياً)..

نعم… رأينا ذلك بوضوح عندما قارنا موقفه الحالي بموقفه إبان المفاصلة الشهيرة، داخل المؤتمر الوطني قبل خمسة عشر عاماً، والتي أبعدت الشيخ الدكتور حسن الترابي عن رئاسة البرلمان وعن مفاصل الحزب والدولة، لأنه نادى وقتها بـ (بانتخاب الولاة)، وقد ناصر الدكتور غازي اخوانه في الجانب المناوي للشيخ، وعضد موقف الرئيس عمر البشير ومن ناصروه وقتها.

مقال الدكتور غازي خطير بمعنى كلمة خطير، ليس لأنه يحمل ذلك الرأي المخالف لأخوان الأمس، بل لأنه جاء من رجل ناصر فكرة التعيين أولاً ثم خالفها ثانية ووصفها بأنها (ردة)… ثم تأتي الخطورة أيضاً من اعتبار أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني قوة عسكرية، بما يجعلنا نسأل ونتساءل، ما الذي كان يتوقعه الدكتور غازي، وتلك (الاعتبارات) حالة نعيشها منذ سنوات طويلة، بل وماذا كان سيتنظر في أمر تصنيف جهاز الأمن والمخابرات الوطني، في ظل صراعات مسلحة تحتاج فيها الدولة إلى أكثر من نظام قتالي حتى لا تتجزأ أكثر مما هي قد تجزأت… وحتى يبقى ما بقي منها بعد أن خرج كل جنوب السودان، ويسعى آخرون لإخراج أكثر من ولاية وإقليم عن دائرة وحدود الوطن.. ؟ ولا نزيد.. ولا نريد أن نزيد.

[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]