الطاهر ساتي

العاقل يرفع السدادة

[JUSTIFY] :: بإحدى دول العالم الثالث – والأخير طبعاً – زار السيد الوزير مستشفى الأمراض العقلية و شاهد زحاماً ، فسأل المدير : كيف تميزون العاقل من المجنون في هذا الزحام؟، فأجابه المدير : ( المسألة بسيطة جداً، بنملأ البانيو بالموية، ونسلم أي زول هنا ملعقة و فنجان وجردل، ونطالبهم بغرف البانيو ونقعد نراقب)..فراقت الفكرة للوزير، وسأل : (و الله فكرة ممتازة ، طبعا العقلاء منهم بيغرفوا البانيو بالجرادل؟)، فأجاب المدير : ( لا طبعاً، العاقل بيرفع سدادة البانيو)..وقبل أن يتحسس الوزير قواه العقلية، سأله المدير : ( أها يا سعادتك، نحجز ليك غرفة خاصة ولا تقعد في العنبر العمومي؟)..!!

:: ليست كل الأزمات ( معقدة)، ولكن بعض العقول تُدمن تعقيد الأزمات بتجريب حلول (غير منطقية).. وعلى سبيل المثال، يومياً تقرأ لحكومة الخرطوم تصريحاً يشير إلى وجود أزمة مواصلات بالخرطوم، وهذه حقيقة.. ولكن المؤسف أن العقول المناط بها حل هذه الأزمة لا تفكر إلا في تعقيدها، وذلك بتجريب الحول غير المنطقية.. و بصحف البارحة، كخير مثال، بشرت حكومة الخرطوم المواطن بوصول ( دُفعة بصات)، و أن الحكومة إتفقت مع شركة جياد على على توطين صناعة البصات .. وفي ذات الصحف، تعلن هيئة تنمية الأعمال والصناعات الصغيرة – حكومية أيضاً – عن وصول بصات يُمكن تميلكها للمواطن بالأقساط بعد أن يدفع المقدم ( 50.000 جنيه)..!!

:: كل هذه البصات التي تستوردها الحكومة وهيئتها أو تصنعها بالجياد نوع من تفريغ الحوض بالجردل أو بالفنجان بدلاً عن (رفع السدادة)..بالبلد شركات ورجال أعمال ومغتربين وأفراد بالمجتمع قادرين على إستيراد وتشغيل (المركبات العامة)، وهذا ما يسمى بالإستثمار في مجال النقل، وبهذا النوع من الإستثمار يستقر المجتمع إقتصادياً و ( ترتاح الحكومة).. لماذا تحشر الحكومة أنفها وتضيق واسعاً وتُعقد الحلول باحتكار الإستثمار في مجال النقل ؟..فالأفضل – في إنسياب حركة النقل بلا أزمات أو خسائر – أن تكتفي الحكومة بالمواصفة والرقابة والتنظيم، وتفتح أبواب إستيراد المركبة العامة لمن يشاء، شركة كانت أو مغترباً..علما أن تجارب حكومة الخرطوم مع إستيراد البصات وتشغيها لاتزال تكبد الخزينة العامة (خسائر فادحة)..!!

:: فالبصات المستوردة عبر – الشركة الحكومية – إما غير مطابقة للمواصفة ويتم تخزينها قبل أن تكمل العام عملاً، أوعوائد تشغيلها لا تغطي تكاليف التشغيل..فلماذا لاتستفيد حكومة الخرطوم من (تجاربها الفاشلة)، بدلا عن إعادة إنتاج ذات التجارب؟..ومن التناقض الغريب، في ذات الأيام التي تبشر فيها حكومة الخرطوم مواطنها باستيراد المركبات العامة، ثم تعد فيها مواطنها بتصنيع المركبات في جياد، ثم تفتح فيها هيئتها باب شراء البصات بالأقساط، هي ذات الأيام التي تتكدس فيها موانئ جدة و العقبة وجيبوتي بآلأف المركبات العامة التي إستوردها بعض أهل السودان بغرض تشغيلها و الإستثمار فيها، ولكن حظرت وزارة التجارة دخولها بلا أي سابق إنذار، فأعادوا تصديرها من ميناء بورتسودان إلى تلك الموانئ .. شئ يُحيَر ..فالحكومة تستورد كما تشاء وتشتري وتبيع كما تشاء ، ولكن المواطن ( لا)..إنها سياسة التحرير، ولكن بطريقة تفريغ ( البانيو بالملعقة)..!![/JUSTIFY]