عبد الجليل سليمان

ذكرى تحرير الخرطوم بالتذكرة التونسية


[JUSTIFY]تمر علينا اليوم ذكرى تحرير الخرطوم على يد الثوار المهدويين في يناير 1885م، الإمام محمد أحمد الشهير بالمهدي توفي على الأرجح بحمى التيفوئيد في أم درمان في يوم الاثنين الموافق التاسع من رمضان سنة 1302 هـ الاثنين 22 يونيو 1885م الساعة الرابعة مساء.

وبعده مضت الأمور على نحو يعلمه الجميع، يتفقون ويختلفون حوله، لكن ما لا يُحتلف عليه، هو أن الحكومة الاستعمارية التي أذهبت ريح الدولة المهدية هي وحدها من وضع اللبنات والبنيات الأساسية لنشوء دولة مدنية حديثة في هذه البلاد الواسعة والمتنوعة المسماة بالسودان.

لاحقاً، وبعيد خروج المستعمر وإلى الآن عجز الوطنيون في التقدم ببلادهم والعمل بإخلاص وتفانٍ من أجل تنميتها ورفاهيتها، وإلى الآن يقف الجميع عاجزين إزاء اجتراح دراسات نقديّة معمقة وبصيرة ومباشرة للتجربة النخبوية الفاشلة في إدارة هذه البلاد. ولعل سبب العجز يعود إلى حالة عامة تتسم بها (الثقافة النخبوية) بقطاعيها التنفيذي والإداري الذي يتولى الحكم، والثقافي الذي يتماهى معه ويلبي له مطلوباته الفكرية والنظرية التي يحاجج بها الشعب المغلوب على أمره.

وها هو (الصادق المهدي) أحد رموز هذه النخب، وهو (ناشط) كثيف الحضور على مستوييها السالفين، يقول في ذكرى تحرير الخرطوم (2011م)، السياسات الاقتصادية الخاطئة دمرت الإنتاج الزراعي، والصناعي، ودمرت القطاع الخاص، والطبقة الوسطى، وأسرفت في الإنفاق الحكومي الذي تموّله الجبايات والرسوم والضرائب وجعلت الأغلبية الشعبية تشكو من العطالة وغلاء الأسعار.

وأضاف المهدي في كلمته تلك قائلاً: الحرية كلمة السر الشعبية في كل مكان، فالتذكرة التونسية تقوم على الحرية – الخبز- والتحرر من الهيمنة الخارجية- كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة، وأنه لا سلام بلا عدالة والإفلات من العدالة هو تقنين للجريمة لذلك ينبغي الحرص على تحقيق العدالة في توافق مع مطالب الاستقرار. وإذا اتفق على هذا البرنامج فالسبيل لإنفاذه هو حكومة قومية انتقالية لا تعزل أحدا ولا تلاحق أحدا. أمامنا نحن الشعب السوداني خياران: التذكرة القومية أو التذكرة التونسية، والحكمة الشعبية تقول: حل باليد خير من حل بالسنون، وإذا اختار الحزب الحاكم التذكرة القومية فسوف يجدنا أحرص منه عليها بل سوف يجد كافة القوى السياسية كذلك.

على المستوى النظري يبدو كلام المهدي رائعاً، لكن على المستوى (العملاني)، فحدث ولا حرج، فالمهدي نفسه لا يقوم حزبة على مطلوبات التذكرة التونسية، وهو أيضاً يحل الأمور داخل حزبه بالسنون، وهكذا بقية الأحزاب تفعل.

ليس لدينا ما نقوله، غير أن هذه النخب التنفيذية و(الثقافية) – إن صح التوصيف – التي ورثت المستعمر في إدارة البلاد ولا زالت- لا غيرها- أوصلتها إلى شفير الهاوية، وهي بالتالي نخب فاشلة لأنها فاسدة.

في هذه الذكرى المجيدة كان علينا أن نقول ذلك، بهذا الوضوح فربما نرمي حجرا في البركة الراكدة.
[/JUSTIFY]